ثقافة السؤال
قبل أيام، اجتمعنا مع بعض الأصدقاء في جلسة تدبر قرآني، وتأملنا في السؤال الإبراهيمي في قوله تعالى:
﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: 52]
أشار أحد الحضور إلى أن السؤال هو بوابة الإنسان إلى المعرفة، بينما رأى آخر أن السؤال ليس مجرد وسيلة للحصول على إجابة، بل حركة فكرية وروحية تفتح أمام الإنسان آفاقًا جديدةً.
من هذا الحوار يتجلى لنا أن العقل البشري يستخدم التساؤل لفهم الحياة والوجود، وأن الفضول الفطري هو ما يميّز الإنسان عن باقي المخلوقات، ويحثه على البحث عن الحكمة والغاية.
والحكمة في هذا السياق ليست في مجرد طرح السؤال، بل في صياغته بعقلٍ متفتحٍ، وفي تواضع الباحث عن الحقيقة، وفي صبره على البحث عن إجابات دون استعجال أو استنتاج خاطئ. فالسؤال ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة تحمي الإنسان من الركود الفكري وتفتح أمامه زوايا متعددةً لفهم الواقع والتعامل معه بوعي.
ومن يعتاد على طرح الأسئلة بعقلٍ متفتحٍ، يصبح قادرًا على تحليل الأمور، وفهم مستجداتها، والتفاعل معها بذكاء وعمق. فاليوم، لم تعد التماثيل مجرد حجارة منحوتة، بل قد تتخذ أشكالًا حديثة في حياتنا الاجتماعية والثقافية، لتصبح بمثابة الأصنام المعاصرة. وهنا يبرز السؤال الإبراهيمي كأداة استنكارية تهز العقول الغافلة، وتفتح أبواب التأمل على أبعاد أوسع.
وفي الختام، يمكن القول إن الاستفهام حكمة قبل أن يكون أداة، وفضول الإنسان ووعيه هما مصدر قوته. ومن أحسن استخدام السؤال، أصبح قادرًا على بناء معرفة متينة، وتشكيل فكر مستقل، وتحقيق نمو روحي وفكري دائم.