اليوم الوطني وتطور الطب في المملكة: من البدايات إلى الريادة
في اليوم الوطني، يقف القلم عاجزًا أمام سعة الإنجاز،
ويبحث اللسان عن كلمة تليق بعظمة ما تحقق.
فالوطن ليس جغرافيا فحسب، بل هو قصة عطاء وصبر ونهوض.
ومن أعظم صفحاتها قصة الطب في المملكة،
ذلك الطبُّ الذي بدأ خطوةً متواضعةً،
ثم تحوّل إلى نهضة شامخة تتباهى بها الأمم.
واليوم، نرى ثمارها في كل مدينة وقرية ومستشفى ومركز صحي.
في بدايات الدولة الحديثة، كانت الصحة تحديًا كبيرًا:
أمراضٌ متفشيةٌ تحتاج إلى مواجهةٍ عاجلةٍ،
وقلّة في المستشفيات، وقلّة في الأطباء.
لكن الإيمان بأن الإنسان هو محور التنمية جعل الصحة أولوية.
فصدر الأمر بإنشاء وزارة الصحة عام 1950،
وكان ذلك حجر الأساس لرحلة طويلة.
بدأت المستوصفات الصغيرة تنتشر في القرى،
والمستشفيات العامة تُبنى في المدن،
والكوادر الطبية تأتي من شتى البلدان لتسد الحاجة.
لم يكتف الوطن باستقدام الأطباء من الخارج،
بل بدأ مشروع إعداد الكوادر الوطنية.
فكانت جامعة الملك سعود عام 1967 تحتضن أول كلية طب،
ومنها انطلقت الشرارة الأولى للتعليم الطبي السعودي.
تلتها الجامعات الأخرى في الرياض وجدة والدمام والمدينة والقصيم،
وتوسعت حتى شملت أكثر من أربعين كلية طب اليوم،
كلية بعد كلية، فوج بعد فوج،
حتى صار الطبيب السعودي قائدًا لا تابعًا،
باحثًا لا متلقيًا فقط،
ومعلّمًا لأجيال بعده.
مع العقود الأخيرة، برزت مستشفيات أصبحت مرجعيات عالمية:
مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث،
منارة علمية في علاج السرطان وزراعة الأعضاء.
ومستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام،
ومستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض،
ومدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني،
ومستشفى الملك عبد الله للأطفال ومراكز القلب والأورام،
كلها شواهد على نهضة طبية غير مسبوقة،
تستقطب المرضى، وتُجري أدق العمليات،
وتنشر المعرفة في المؤتمرات والأبحاث.
الطب في المملكة لم يعد علاجًا فقط،
بل صار وقاية وتثقيفًا وأبحاثًا وابتكارًا.
دخلت التقنية والذكاء الاصطناعي إلى غرف التشخيص،
أصبحت الجراحات الروبوتية واقعًا ملموسًا،
وأصبح الطبيب السعودي يوجّه الروبوت ويُجري العمليات المعقدة.
التطبيب عن بُعد فتح أبوابًا جديدة للمرضى في القرى،
المختبرات الوطنية تطوّر الفحوص الجينية والطب الدقيق،
وصار الوطن لاعبًا أساسيًا في مجال البحوث السريرية عالميًا.
حين اجتاح كورونا العالم، كانت المملكة في قلب التحدي.
أُغلقت الأجواء مبكرًا،
وفُرضت الإجراءات الاحترازية بحزم،
وانطلقت الحملات التوعوية بلغة يفهمها الجميع.
كان المواطن شريكًا، وكان المقيم جزءًا من المسؤولية.
لم يتخلّف القطاع الصحي لحظة واحدة.
مستشفيات الطوارئ بُنيت في أسابيع قليلة،
اللقاحات وُفّرت مبكرًا وبالمجان،
وكانت التجربة السعودية أنموذجًا عالميًا يُحتذى به.
في قلب تلك الأزمة، برزت الكمامة.
لكنها لم تكن مجرد أداة وقاية على الوجوه،
كانت صورة للوعي الجمعي والانضباط.
تحوّلت الكمامة السعودية إلى علامة فارقة.
المصانع الوطنية أنتجت الملايين يوميًا،
وصارت تُصدّر إلى الخارج،
تحمل شعار ”صُنع في السعودية“،
لتصبح الكمامة رمزًا عالميًا متميزًا،
تجمع بين الصحة والاقتصاد والسيادة الصناعية.
لا يمكن أن ننسى الأطباء والممرضين،
رجالًا ونساءً وقفوا في مواجهة الفيروس.
ارتدوا الكمامة والدرع والزي الأبيض،
ليكونوا خط الدفاع الأول.
ضحّوا براحتهم، وابتعدوا عن عائلاتهم،
وسهروا الليالي من أجل صحة الوطن.
فكانوا أبطالًا حقيقيين،
لا يقلّون شأنًا عن الجنود على الحدود،
بل كانوا جنود الرحمة في ميدان الحياة.
جاءت رؤية 2030 لتضع الصحة في قلب التحول الوطني:
استثمارات ضخمة في المدن الطبية،
تحفيز للقطاع الخاص والشراكات الدولية،
خطط لتوطين صناعة الأدوية واللقاحات،
إدخال الذكاء الاصطناعي في كل مفصل صحي،
توسيع برامج الوقاية والكشف المبكر،
إدماج البحث العلمي في كل مستشفى وكل جامعة،
ليكون الهدف النهائي: مواطن أكثر صحة، ووطن أكثر قوة.
من مستشفى صغير في الرياض القديمة،
إلى شبكة متكاملة من المستشفيات الذكية.
من طبيب أجنبي جاء ليسد فراغًا،
إلى طبيب سعودي يقود أبحاثًا عالمية.
من تجارب محدودة في زراعة الكلى،
إلى عمليات متقدمة في القلب والرئة والكبد والنخاع.
من استيراد للأدوية،
إلى مصانع وطنية تنتج الكمامات والمستلزمات الحيوية.
إنها رحلة سبعين عامًا من التطور المستمر.
في اليوم الوطني، لا نحتفل بالعلمَ والرايةَ فقط،
بل نحتفل بإنجازات الصحة والطب،
بالمستشفيات التي أنقذت الأرواح،
وبالأطباء الذين كتبوا قصصًا من الصمود،
وبالكمامة التي تحولت من قماش صغير،
إلى راية ترفرف باسم الوطن في أسواق العالم.
يا وطنَ الطبِّ والحياةِ،
دمتَ شامخًا، ودام أطباؤُك فخرًا،
ودامت كمامتُك رمزًا عالميًا متميّزًا.
اليوم الوطني ليس يومًا عابرًا،
بل هو كتاب تُضاف إليه صفحة جديدة كل عام،
صفحة تروي قصة نهضة، وحلمًا صار واقعًا،
وعدًا بأن القادم أجمل، وبأن الصحة في المملكة
ستبقى في الطليعة دائمًا.
اللهم احفظ وطننا المملكة حصنًا منيعًا، ودارَ عزٍّ وأمانٍ،
وبارك في قادتنا، وأدم عليهم الحكمة والرشد والتسديد،
واجعل يوم الوطن يومًا متجددًا في عمر المجد والإنجاز،
ترفرف فيه راية التوحيد خضراء خفّاقة تعانق السماء.
اللهم احفظ أطباؤَنا وجنودنا ومجتمعنا من كل سوء،
واجعل هذا الوطن منارةً للإيمان، وواحةً للأمن إلى يومِ الدينِ.