وطن بحجم الحلم
خمسةٌ وتسعون عامًا من الحكايات، من التضحيات والإنجازات، من القلوب التي اتحدت تحت راية واحدة لتبني وطنًا لا يشبهه مكان آخر. واليوم، في العيد الوطني الخامس والتسعين، لا نحتفل بالتاريخ فحسب، بل نحتفل بما يسكن فينا.. أحلامنا، وأمنياتنا، وما نرجوه لوطنٍ هو بيتنا الكبير.
كل طفلٍ اليوم يرى في الأعلام الخضراء التي ترفرف في الشوارع رسالةً غير معلنة.. أن الغد الذي يتطلع إليه هو مُلكه. يركض في الساحات، يلوّح بعلمه، ويحلم أن يكون طبيبًا يداوي، أو معلّمًا يبني، أو مهندسًا يشيّد. الوطن بالنسبة له هو ساحة لعب، لكنه أيضًا ذلك الحضن الواسع الذي يفتح له أبواب المستقبل.
شبابنا الذين يعبرون بوابة الحياة بأحلامٍ أكبر من أيامهم، يقرأون في هذا اليوم رسالة أمل.. أن هذا الوطن الذي بدأ بخطوة واثقة، لن يبخل بخطوات أوسع لهم. يرونه في جامعاتهم، في مختبراتهم، في مشاريعهم الناشئة، في كل فرصة تؤكد لهم أن الحلم هنا هو أكبر من بحبوحة العيش التي يتطلع إليها كل فرد من أبناء هذا الوطن الغالي.
الآباء والأمهات ينظرون إلى الوطن بعين مختلفة.. عينٍ تبحث عن الأمان لأبنائهم قبل كل شيء. عيد الوطن بالنسبة لهم هو لحظة طمأنينة، حين يرون أبناءهم يذهبون إلى مدارسهم آمنين، ويعودون إلى بيوتهم مبتسمين. هو رجاءٌ أن يبقى الوطن مظلةً تستر أبناءه مهما تبدلت الفصول.
أما كبار السن، الذين شهدوا البدايات الصعبة، فإن العيد الوطني لهم ليس مجرد يوم، بل شريط حياة. يتذكرون كيف بدأت الحكاية بخيامٍ صغيرة وطرقاتٍ وعرة، وكيف صار الوطن اليوم مدينةً من نور. يبتسمون لأنهم يرون بأعينهم ثمرة صبرهم، ويُسلّمون الراية بثقة للأجيال التي تواصل المسير.
العيد الوطني ليس حكرًا على فئة دون أخرى، بل هو عرسٌ يجمع الجميع. في هذا اليوم، يتساوى أفراد المجتمع الواحد أمام الوطن.. الطبيب والمزارع، المعلّم والجندي، رب الأسرة والعامل، كلهم قطعة من لوحةٍ واحدة اسمها السعودية.
في هذا العيد، علينا أن نُدرك أن الوطن لا يطلب المستحيل.. يطلب منا أن نحلم، أن نُحسن، أن نتكاتف. أن نُهديه ابتسامةً صادقة، ويدًا تبني، وقلبًا يعرف معنى الشكر. لأن الأوطان، في حقيقتها، ليست مباني شاهقة ولا شوارع مضيئة فحسب، بل هي مشاعر الناس، أحلامهم، وأمانيهم الصغيرة التي تكبر مع الأيام.
فلنجعل من عيد الوطن لحظة وفاءٍ وعهدٍ جديد، أن نحافظ على هذا البيت الكبير، أن نُربي أحلام أطفالنا في حضنه، أن نُصغي لنداءات شبابه، أن نُعين آباءنا وأمهاتنا على الطمأنينة، وأن نُكرّم ذاكرة كبارنا التي صنعت ومهدت الطريق.
عيدك يا وطن، ليس يومًا في التقويم، بل فسحة أملٍ تتسع للجميع. هو عيد الطفل الذي يحلم، والشاب الذي يبني، والأم التي تدعو، والجد الذي يبتسم لثمرة عمره. عيدك يا وطن هو عيدنا كلنا.. بما نحمله من أمانٍ صغيرة، وبما نزرعه من أعمال كبيرة، وبما نخفيه في قلوبنا من حبٍ لا يذبل مع مرور الزمن. فأنت البيت الذي يجمعنا، والحلم الذي يكبر بنا، والوطن الذي لا يشبهه مكان آخر.