بلوغ الأنثى.. بين حكم الشرع وواقع الحال
تُثَار بين الفينة والأخرى مسألة بلوغ الأنثى، وتنتاب الأمهات - والآباء على حد سواء - الحيرة وربما الارتباك حينما تقترب صبيتهم من سن البلوغ؛ إذ هي في نظرهم لازالت طفلة، فكيف يُتعامل معها على أنها امرأة؟ سواء في الأحكام الشرعية أم في الحياة الأُسرية والاجتماعية.
وهنا تُطرح أسئلة بحاجة إلى إجابة عنها، حتى تتضح الصورة، ويُعْرَف التكليف الشرعي:
- في أي عمر تبلغ البنت بلوغًا شرعيًا؟ وما علامات بلوغها؟
- ما الفرق بينها وبين الذَّكَر؟
- ما النصوص الشرعية؟ الواردة بهذا الشأن؟
- ما أقول العلماء في هذه المسألة؟
- ما الحل العملي الممكن للتعامل مع البنت من ناحية الالتزام بالتكاليف الشرعية؟
يُعرََّف البلوغ لغةً بأنه ”الوصول إلى الشيء، وبإدراك الشيء، وبنضج الأعضاء التناسلية من الذَّكَر والأنثى من الإنسان“، واصطلاحًا هو ”انتهاء مرحلة الطفولة في الإنسان والدخول في مرحلة التكليف، بالوصول إلى سن معينة، وظهور علامات محدَّدة“. [يُنظر: معجم ألفاظ الفقه الجعفري، الدكتور أحمد فتح الله، ص 117]. وبالرجوع إلى الفقه نجد أن علامات البلوغ في الذَّكَر هي إحدى العلامات الآتية:
1 - نَبت الشَّعَر الخشن على العانة.
2 - خروج السائل المنوي بالاحتلام أو غيره.
3 - إتمام خمس عشرة سنة «هلالية»، والدخول في السادسة عشرة.
[يُنظر: منهاج الصالحين، السيد السيستاني، 2/ 297].
أما الأنثى فعلامة بلوغها هي واحدة مما يأتي:
1 - الحيض والحمل. أي إمكانية الحمل. قال العلماء إنها هاتين العلامتين دليل على سبق البلوغ وليس على البلوغ نفسه. [الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني، 13/ 181].
2 - نَبت الشعر على العانة. قالوا أيضًا إنه علامة على سبق البلوغ.
3 - إتمام تسع سنوات هلالية «8 سنوات ميلادية و8 أشهر وعشرون يومًا تقريبًا»، والدخول في العاشرة. وهو قول المشهور من العلماء.
والمتحصل من علامات البلوغ بالنسبة للبنت هو خصوص إتمام تسع سنين، ولذا اقتصر السيد السيستاني عليه، ولم يذكر علامة أخرى على بلوغها. [يُنظر: منهاج الصالحين، السيد السيستاني، 2/ 297].
والكلام يقع في العلامة الثالثة تحديدًا؛ لأن الحيض لا يأتي البنت في هذه العصور إلا عند سن الثانية عشرة غالبًا، وقد يصل إلى الثالثة عشرة. حين تصل البنت إلى الصف الأول المتوسط أو الثاني المتوسط، ونادرًا ما يطرق الحيضُ البنتَ قبل ذلك. ومن هنا تُطرح أسئلة: كيف يتوجه التكليف إلى صبية عمرها تسع سنوات، وهي لازالت غضَّة طرية، لمَّا تخرج من طور الطفولة، وهي تلهو وتلعب كما هو يفعل أخوها حين كان في عمرها؟ وما الفرق بين الولد الذَّكَر الذي يتوجه إليه التكليف عند سن الثالثة عشرة حين تأتيه علامات البلوغ أو عند سن الخامسة عشرة حين تتأخر عنه تلك العلامات؟
ألَا يعدُّ من العُسر والحرج أن نأمر ابنتنا بالصلاة والصيام والحجاب والحج والعمرة، وهي لا تقدر على ذلك؟! هكذا سألتني إحدى الأمهات، ولسان حال كثيرات منهن ذلك. فما المخرج الشرعي من هذا العسر والحرج؟
استند العلماء في تحديد سن البلوغ للفتاة إلى الروايات الشريفة. عن محمد بن أبي عمير. عن غير واحد، عن أبي عبد الله قال: ”حَدُّ بُلُوغِ المرأةِ تِسْعُ سِنِينَ“ [الوسائل، الحر العاملي، 20/ 104]. لاحظ التعبير ب «حد»، فهو خط فاصل بين الطفولة وبين البلوغ مبلغ النساء. وعن عمار السجستاني قال: سمعت أبا عبد الله
يقول لمولى له: ”انطلق فقل للقاضي قال رسول الله ﷺ: حَدُّ المرأةِ أَنْ يُدْخَلَ بها على زَوجِهَا ابنَة تِسْعِ سِنِينَ“. [الوسائل، الحر العاملي، 20/ 103]. وبهذا أفتى جملة من العلماء بذلك، بل مشهور العلماء، فهم مقيدون بالروايات وبمفادها.
خالف علماءٌ آخرون ما ذهب إليه المشهور في بلوغ البنت، ووجَّهوا روايات التسع سنوات بتوجيهات لا مجال لعرضها في هذه المقالة. منهم الشيخ محمد إسحاق الفياض. قال: ”الأظهر أن بلوغ الأنثى يُعلم بأحد أمرين:
1 - الحيض، فإذا رأت الحيض فهي بالغة، ولو لم تكمل ثلاث عشرة سنة هلالية.
2 - إكمال ثلاث عشرة سنة هلالية إذا لم تحض قبلها؛ فإكمال ثلاث عشرة سنة علامة على وصولها حد البلوغ إذا لم ترَ دم الحيض قبلها، فإذا تقدَّم أحد هذين الأمرين كان علامة على البلوغ“.. [استفتاء بتاريخ 10 شوال 1442 ه].
ويرى السيد محمد تقي المدرسي بأن البنت تكون مكلفة باكتمال الثانية عشرة إن لم ترَ الدم قبل ذلك. [الاستفتاءات، السيد محمد تقي المدرسي، 2/ 49]. ويذهب الشيخ يوسف الصانعي إلى أنها تبلغ بعد إتمام 13 سنة هجرية «12 سنة و7 أشهر و20 يومًا ميلادية». يُنظر: [بلوغ البنت، الشيخ يوسف الصانعي، ص 8].
من ترجع إلى فقيه يقول إن بلوغ البنت إكمال تسع سنوات، فإن عليها وعلى والدها ووالدتها مراعاة هذا الحكم الشرعي، ويمكن أن تذكر التكاليف الرئيسية التي محل ابتلائها وكيفية الالتزام بها، وهي:
أ. في الحجاب الشرعي، ينبغي أن تُدرَّب عليه شيئًا فشيئًا، وتتعلم كيفية ارتدائه قبل سن تسع سنوات، حتى لا يأتي أوانها إلا وهي فتاة محجبة حجابًا شرعيًا. هذه التعلُّم «والتعليم» القَبْلي واجب من باب المقدمة العلمية.
ب. بخصوص الصلاة وما يتعلق بها من الوضوء والتيمم، من المستحب أن يُعلَّم عليها الإنسان ذكرًا كان أم أُنثى عند سبع سنين، فلن تصل الفتاة إلى تسع سنوات إلا وهي أتقنتها.
ج. التكاليف التي بها مشقة مثل الصيام، إذ قد يتعسَّر عليها الصيام وهي في هذا العمر، فهل يجوز لها الإفطار؟ وإذا جاز فهل عليها القضاء والكفارة؟ يجيب مكتب السيد السيستاني عن استفتاء بهذا الشأن: ”هل يجب الصوم على البنت بعد البلوغ إذا لم تكن قادرة عليه وهل يجب عليها القضاء إذا افطرت وكذا الكفارة؟
والجواب: إذا لم تكن قادرة على الصوم فلا يجب، وتقضيه بعد ذلك ولا كفارة عليها، ولكن يجب عليها تحمل الصعوبة فيه إلَّا إذا كانت لا تتحمل من مثلها عادة“. [الاستفتاءات، الصوم والبلوغ، المواقع الإلكتروني الرسمي]؛ وعليه فإذا كان في الصوم صعوبة «بالغة» عليها، فيجوز لها الإفطار ثم القضاء وقتما تتمكن، ولا كفارة عليها.
د. في العمرة، إذا ذهبت العائلة إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة، فمن المعروف أنه لا يجوز «للمكلف» الدخول إلى مكة المكرمة إلا محرمًا، ومِن ثَمَّ أداء العمرة حتى يتحلل من إحرامه؛ فماذا يفعل الأب/ الأم مع ابنته الصغرى ذات عمر تسع سنوات فأكثر؟ هل يجوز له ألَّا يُحرِمَ بها لأنه في أداء الأعمال «من الطواف والسعي» مشقة؟
والجواب: لا يجوز أن تدخل مكة من دون إحرام، وفي الأعمال التي تجد مشقة في إتمامها، يجوز لها أن تركب الدراجة «العربة» في الطواف والسعي كما يراه السيد السيستاني [مناسك الحج وملحقاتها، مسائل أخرى في السعي، س 6]، بل يجوز لها ذلك وإن لم تجد مشقة على رأي علماء آخرين منهم السيد صادق الشيرازي. [جامع أحكام الحج والعمرة، السيد صادق الشيرازي، م 930، ص 203]. وإن كان يستحب - بل الأحوط - المشي حال الاختيار، وعدم ركوب العربة ونحوها.
ه. في باقي التكاليف يجب الالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات، وتتعامل مع نفسها، كما تتعامل العائلة معها على أنها كبيرة، وتُدرَّب قبل البلوغ وبعده على مراعاة الأحكام الشرعية، وعلى رأسها الأحكام الأخلاقية وجوبًا واستحبابًا؛ فالأخلاق الفاضلة لا تأتي صدفة أو جُزافًا بل بالتوجيه والإرشاد، نحو احترام الآخرين وعدم انتهاك شخصيتهم، فتُدرب الفتاة «كما الفتى» على حرمة الغيبة والاستهزاء بالناس أو الانتقاص منهم. وهذه وظيفة تربوية ينبغي عدم الغفلة عنها.
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.