آخر تحديث: 25 / 9 / 2025م - 2:37 ص

من قلعة القطيف إلى العالمية.. حكاية البروفيسور باقر العوامي

جهات الإخبارية حجي الزويد - القطيف

عندما يُذكر اسم البروفيسور باقر العوامي، لا يُستحضر في الأذهان مجرد طبيب أطفال بارع أو أستاذ جامعي مرموق، بل قصة رجل حمل على عاتقه هموم مجتمعه الصحية، وحوّل العلم والمعرفة إلى حلول واقعية أنقذت أجيالاً قادمة. إن رحيله يطوي صفحة من تاريخ الطب السعودي، لكنه يترك خلفه إرثاً من العطاء سيبقى أثره ممتداً.

من القلعة إلى ألمانيا.. رحلة البحث عن رسالة

بدأت حكاية الطموح في حي القلعة بالقطيف عام 1368 هـ، حيث نشأ باقر العوامي في بيئة تقدّر العلم. نهل من معين خاله الشيخ عبدالرسول بن حميد علوم القرآن الكريم ومبادئ المعرفة، قبل أن يشق طريقه في التعليم النظامي، متسلحاً بشغف مبكر لاكتشاف العالم. لم تكن المملكة في ذلك الوقت قد أنشأت كليات الطب بعد، فكانت ألمانيا وجهته لتحقيق حلمه عام 1965 م.

في ألمانيا، لم تكن رحلته نحو التخصص مباشرة. بدأ في الأمراض الباطنية، ثم انتقل إلى طب النساء والولادة، لكن قلبه كان يبحث عن شغف أعمق.

وبتشجيع من زوجته، السيدة كريمة الشاعر عبدالواحد الخنيزي، وجد ضالته في طب الأطفال. لم يكن هذا مجرد اختيار أكاديمي، بل كان اكتشافاً لرسالة حياته: تكريس علمه لخدمة الطفولة البريئة وحمايتها.

أستاذ الأجيال ومؤسس التشريع الخالد

بعد عودته إلى أرض الوطن، انضم إلى كلية الطب بجامعة الملك فيصل ”جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل حالياً“، ليبدأ فصلاً جديداً من العطاء كأستاذ وباحث. لم يكن مجرد ناقل للمعرفة، بل كان مربياً حقيقياً، يصفه تلامذته بأنه كان ”الأب والمعلم“ الذي يغرس فيهم أخلاقيات المهنة قبل علومها، مؤمناً بأن الطبيب الحقيقي هو الذي يجمع بين الكفاءة العلمية والقلب الرحيم.

ومن رحم معاناته اليومية مع حالات الأطفال المصابين بأمراض الدم الوراثية، ولدت فكرته الأكثر تأثيراً. رأى بأم عينيه حجم الألم الذي تعانيه الأسر، فقرر ألا يكتفي بالعلاج، بل أن يبحث عن الوقاية.

انكبّ على دراسة فقر الدم المنجلي، وأجرى أبحاثاً معمقة، ليخرج بمقترح تاريخي: الفحص الطبي قبل الزواج. لم تكن الطريق سهلة، لكنه طرق أبواب وزارتي الصحة والعدل بإصرار العالم الذي يثق بجدوى فكرته، حتى تحولت رؤيته إلى تشريع وطني غيّر مستقبل الصحة الوراثية في المملكة إلى الأبد.

باحث برؤية عالمية وقلب إنسان

لم تتوقف إنجازاته عند هذا الحد، فقد قاد مشاريع بحثية استراتيجية، أبرزها مشروع ممول بأربعة ملايين ريال من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، كما وضع الطب السعودي على الخارطة العالمية بدراسته المقارنة لمرض فقر الدم المنجلي بين المملكة وإفريقيا.

ويستذكره زملاؤه كشخصية قيادية متواضعة، تمزج بين الجدية العلمية وروح الدعابة، وبين الحزم الأكاديمي والعطف الإنساني. حتى بعد تقاعده، لم يستكن، بل افتتح عيادته الخاصة ليظل قريباً من نبض الناس، مواصلاً رسالته التي آمن بها حتى آخر يوم في حياته.

رحل البروفيسور باقر العوامي جسداً، لكن إرثه باقٍ في كل طفل وُلد سليماً بفضل مبادرته، وفي كل طبيب تتلمذ على يديه، وفي كل بحث علمي أناره بفكره. لقد كان بحق طبيباً للإنسان، وعالماً للوطن، ورمزاً للعطاء الذي لا ينضب.

آخر لقاء أجري مع الدكتور باقر العوامي عبر بودكاست تمرة

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابوعبدالله
[ القطيف ]: 23 / 9 / 2025م - 10:37 م
أنا لله وأنا اليه راجعون