روح الأمكنة.. الاستثمار في ”الإنسان“
في خضم التنافس المحموم الذي يشهده قطاع الضيافة والأعمال، وبينما تتسابق المشاريع لتقديم أبهى الحلل المعمارية وأفخم الديكورات، تبرز حقيقة جوهرية يغفل عنها الكثيرون؛ حقيقة أن ”المكان“ ليس مجرد جدران وأثاث فاخر، بل هو كائن حي يتنفس بروح من فيه.
يخطئ من يظن أن جودة المنتج وحدها، أو فخامة الأثاث، هي تأشيرة العبور إلى قلوب الزوار. قد يكون الطبق تحفة فنية في مذاقه وتنسيقه، وقد تأسر الألباب هندسة المكان وتفاصيله، ولكن كل هذه العناصر تظل ”جماداً“ بارداً إذا خلت من الروح التي تبث الحياة في أوصالها. ونحن البشر - زواراً كنا أم موظفين - نحن من نملك وحدنا شفرة هذا الإحياء.
تستحضرني ذاكرة لمقهى بسيط، لا تكمن جاذبيته في نوع البن الفاخر وحسب، بل في تلك اللحظة الإنسانية الدافئة التي غلفت التجربة. ومطعم آخر، شعرت فيه أنني لست مجرد زبون عابر، بل ضيف في منزل ثانٍ، بفضل فريق عمل يتقن ”فنون الروقي“ والاحتواء. هذا الشعور بالألفة والانتماء هو الذي يخلق الرابط العاطفي، وهو الدافع الحقيقي لتكرار الزيارة، متفوقاً بمراحل على لذة الطعام أو بريق التصميم.
إنه لمن المؤسف حقاً، أن نرى استثمارات ضخمة تُضخ في الحجر والديكور، بينما يُهمل الاستثمار في البشر. نرى أصحاب مشاريع يغفلون عن أهم ركائز النجاح: ”فن التعامل“. إن عبوساً واحداً، أو استقبالاً فاتراً، أو تعاملاً ينظر للزائر كرقم في دفتر المبيعات، كفيل بنسف كل الجهود المبذولة في التأسيس. فأسوأ تجربة تعامل قادرة، وببساطة، على إطفاء وهج أجمل تجربة تذوق.
نحن، بطبيعتنا البشرية، كائنات عاطفية تحركها المشاعر قبل العقول. لا يمكن فصل العميل عن إحساسه، ولا يمكن ترويج سلعة لزائر مُهان أو مُهمش.
الخلاصة التي نضعها أمام رواد الأعمال: النجاح الحقيقي يبدأ من الإنسان.. من ثقافة الابتسامة الصادقة، ومن الاحترام الذي يسبق المنتج، ومن الشغف الذي يلمسه الزائر في كل زاوية. القيمة الحقيقية للمكان ليست فيما نراه بأعيننا، بل فيما نشعر به بقلوبنا.. ونحن، بلا شك، من نصنع هذه القيمة.













