داعش يضرب قطيف السلام
القطيف كانت وما زالت واحة سلم ومحبة وفيض من رقي الأخلاق والتسامح والعيش المشترك وقبول الآخر. كل هذا لا يروق لشذاذ العقول وأعداء الإنسانية وضباع الغاب من أكلة الأكباد والقلوب. أتباع داعش التكفيريين الذين طبع الله على قلوبهم بعد أن أضاعوا هُداه فتوهموا أنهم بصب جمّ حقدهم وغضبهم وإضرام نيرانهم في بيوت الله وقتلهم المؤمنين وهم ركّع سيوصلهم إلى الجنة ويحضوا بمباركة نبي الرحمة الذي هو منهم برآء.
كفروا بآياته وضربوا عرض الحائط بحرماته في يوم هو عند الله من أفضل أيامه، لينالوا من أناس مسالمين لبّوا نداء الجمعة فسعوا إلى بيت من بيوت الله ليذكروا فيها اسمه ويتقربوا إليه بالصلاة والدعاء. لم يعلم المصلون أن تلك الأيدي الآثمة التي اتخذت من الذبح والقتل منهجاً وسبيلاً أن تصل إليهم، فدفعت تلك العصابة الآثمة بأحد عملائها بعد أن غسلوا دماغه وأفرغوه من حب محمد وأهل بيته لينفذ جريمتهم النكراء في قطيف السلم والسلام وليسفك دماء الأبرياء ظلمًا وبهتانا فيفتك بصغارهم ويمزق شيوخهم ويرمل نساءهم وييتم عيالهم.
ما حصل في ”قديح القطيف“ من قتل وهتك لحرمات الله متوقع وليس بغريب في ظل بيئة مشحونة تريد النيل من الآخر بكل وسيلة متاحة. بيئة تسمح لكل من ارتدى لباس الدين من غربان هذا العصر أن ينعق بما لا يعلم لإثارة النعرات الطائفية وإضرام نار الفتنة وليفرق بين مكونات هذا المجتمع الآمن فتحصل الفرقة التي نهى عنها الخالق في كتابه الحكيم. ما أن تتحقق الفتنة حتى يغتنم من ضاقت صدورهم بالضغائن والكراهية لينكلوا بالآخر، وكل ذلك على حساب التعايش والسلم الأهلي والذي بات كل مواطن شريف يخشى على ضياعه بين ليلة وضحاها واستبداله بتلك ”الفوضى الخلاقة“ والتي يسعى أعداء الأمة من الصهاينة لنشرها في أوطاننا فيصبح الجمع على ما فرطوا فيه من نعمة العيش الآمن نادمين.
في الوقت الذي يتنافس فيه المتنافسون من شعوب العالم الحر للعناية بالعقل واحترامه وتقديسه لأنه موطن الفكر وبه ترتقي الأمم؛ يسعى دواعش عصرنا للنيل من كل من يختلف معهم ليتهمونه بالشرك مرة وبالكفر مرة أخرى، وما أن تتاح لهم فرصة للنيل من ذلك الخصم حتى يلجؤوا إلى أبشع الطرق لتصفيته والخلاص منه. وما حصل في ”قديح القطيف“ إلا إنموذجاً جليًا لنتائج ذلك الفكر المنحرف وتلك الصناعة الخبيثة التي لم يشهد التاريخ لها مثيل.. ألا وهي ”صناعة الموت“ والتي تنفذ بأيد داعشية لا تعرف الرحمة والإنسانية.
عالمنا العربي والإسلامي لم يعد يحتمل أكثر بعد أن ألحق الدواعش الخراب والدمار بالبشر والحجر ولم يبقون على شيئ، فحتى الأموات لم تسلم من كيدهم، فنبشوا القبور وهدموا المساجد ودور العلم وكل ما يمت إلى الحضارة أو الإنسانية في شيئ. أما نحن اليوم فلسنا ببعيدين عما يحصل حولنا، بل بتنا نقترب شيئًا فشيئًا إلى تلك الصورة البشعة خاصة بعد استهداف الدواعش لكوكبة من الشباب والشيوخ والأطفال في قطيف السلام، لا لجرم اقترفوه إلا توجههم لخالقهم في يوم الجمعة بالعبادة والدعاء بأن يجعل هذا البلد آمنًا من كيد الكائدين.
في خضم هذا المصاب الجلل لا يسعني كمواطن وإنسان يحب لهذا الوطن السلامة إلا أن أحذر من خطر هذه الآفة السرطانية المتمثّلة في داعش التكفيرية ومن يدور في فلكهم ويقف ورائهم ويشجعهم على مواصلة غيهم وغلهم بالكلمة المكتوبة والمسموعة وتفنيد أعمالهم دون مؤاربة أو خوف من قانون يوقفهم عند حدهم؛ أو مجتمع واع ينبذهم ولو بكلمة أمر بمعروف هنا قد توقظهم عن التمادي في غيهم أو نهي عن منكر هناك قد ينقذ الكثير من الأنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وذلك أضعف الإيمان.
نحن اليوم في حيرة لما أصابنا من هول المصيبة التي لحقت بنا. كل السنين الغابرة عشناها في غبن وظلم لامس كل جوانب الحياة اليومية التي عاصرناها كأبناء لهذا القطيف الصابر المحتسب عسى أن يأتي اليوم الذي يرفع فيه العزيز القدير تلك الغمة عن هذه الأمة، ويُعترف بهذا المكون البشري المسالم على أنه جزء لا يتجزأ من مكونات هذا المجتمع وأن مايمسه يمس كل فرد من المجتمع الكل. اليوم وبعد أن جُرحنا هذا الجرح العميق، فإنه بات علينا أن نرفع الصوت عالياً مدويًا عسى أن يُسمع هذه المرة. لقد سمعت آذاننا من القول الكثير حتى أخذ الشك يراودها إن كانت هناك من مصداقية تذكر لما يقال في حين شدة. إبن القطيف اليوم ينتظر أفعالاً تشعره بأنه مواطن له ما لغيره من أمن وكرامة ووجود.
إبن القطيف لا يستحق هذه الهجمة الشرسة وهو الإنسان والمواطن المخلص الذي عمل منذ القدم وما زال يكدح ليضيف نكهة إلى رغد العيش الذي يهنأ وينعم به جميع أبناء هذا البلد، وهذا ما لا ينكره إلا الجاحدون. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. لكن هذا الحديث يؤخذ بعين العبرة ممن يمتلكون العقل والحكمة، أما لشذاذ العقول من الدواعش فهو كالنفخ في قربة مثقوبة. لهذا كان جزاؤكم يا أهل القطيف هو التقتيل والتهميش. إبن القطيف اليوم لا ينتظر تلك التطمينات الجوفاء بل يطالب قيادته بأن تقف بحزم أمام كل معتد آثم يريد العبث بأمن هذا البلد من خلال استهداف هذا المكون أو أي من مكونات هذا المجتمع الآمن. كما أنه يطالب قيادته بسن القوانين المناهضة للكراهية وبث الفتنة. اليوم وبعد أن استُهدفت بيوت الله بشرر الحاقدين باتت المطالبة بالحماية الأمنية أمر مُلح لا يستوجب التباطئ فيه لأي سبب كان حتى يشعر التكفيريون بأن بلدنا هذه لا يمكن أن تكون موطنًا لهم يعيثون فيه الخراب والدمار كما يأمرهم أميرهم البغدادي. كما أنه بات للحاقدين أن يعلموا أن شريعة الغاب التي يحتكمون إليها ستنكسر وينتهي أمرها عندما ترص الصفوف وتصفوا النوايا لتبني سدًا منيعًا في وجه الظلمة من الدواعش ومن يدور في فلكهم.
في الختام الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والعزاء للفاقدين. إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين.