آخر تحديث: 27 / 4 / 2025م - 1:09 م

الحاجة فاطمة الأربش.. بطلة أنت وصانعة الرجال

ياسين آل خليل

نعم هذه هي مدرسة أهل البيت ومن تربى في كنفها واستقى النهج الإيماني الأصيل من منبعها.. كيف لا وتلك المدرسة منار الهدى ومعدن الرسالة وسفينة النجاة التي من ركبها نجا والتحق بشاطئ الأمان ومن تخلى عنها غرق وأضاع السبيل إلى متاهات الضياع. من هذا المنطلق مثّل أهل البيت لمحبيهم والسائرين على نهجهم قدوة على مر العصور فجسدوا المثل الحي للتربية الإسلامية الصحيحة عقيدةً وفكرًا وسلوكًا.

”إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا“.. كلمات من نور سطرها منقذ البشرية ونبي الرحمة محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وهو الذي لا ينطق عن الهوى. كلمات نطق بها الصادق الأمين وهو أعلم بأهل بيته من أي أحد كان، لأنه كان المربي الأول والملهم والمعلم والمراقب لأبنائه وهم زينة الحياة الدنيا. فلا الوجاهة وحدها أو المال من غير ولد يملأ على الإنسان حياته بهجة وسرورا.. لكن أي ولد ذلك الذي نتحدث عنه؟

الأم هي الركن الأساس في تربية النشء لأنها المدرسة الأولى والتي ينهل منها الطفل الأمور الأساسية الحياتية للتربية السليمة، ومن تلك الأسس هي تعلم الفرائض كالصلاة والصيام وغرس القيم الإنسانية النبيلة كخدمة المجتمع والتضحية والبذل بلا حدود. الأم كذلك هي منبع الحنان ومصدر الرعاية والعطاء وحضن الأمان والحب الحقيقي والبلسم الشافي للجراح والآلام.. لذلك يرجع أهل المعرفة والرأي السديد إلى الأم وكيفية تربيتها عندما تصل منجزات الأبناء الى منتهى الرُقّيْ والعكس كذلك صحيح ومشروع.

وما الأحداث التي شهدها مجتمعنا في الأيام الأخيرة إلا محطة من المحطات المهمة التي يجب التوقف عندها لتبيان مدى دور الأم في التربية وأثرها في تقوية المجتمع وترابطه أو ضعفه وتشظيه. في المقلب المظلم رأينا كيف أن مجموعة من الشباب الذين لا تتعدى أعمارهم العشرين خريفًا أخذوا على عاتقهم مهمة تنفيذ إعدامات بالجملة لمكوّن أساسي من مجتمعنا وهذا دون أدنى تحري راجع إلى تلك التربية الداعشية في فكرها ونهجها الغير متوازن. والأم دون أدنى شك هي محور تلك التربية وأهم مؤثر في مسار حياة ذلك الإنسان في جميع مراحلها العمرية.

تلك التربية يتلخص نهجها في تكفير الآخر واستباحة دمه دون أن يكون هناك ردة فعل تقلب هذا النهج رأسًا على عقب ابتداءً بمروجي هذا الفكر وإيقافهم عند حدهم. فالشروع بالاعتراف بهذا المكون المجتمعي ومساواته بالمكونات الأخرى وشرعنة القوانين التي تأسس لبناء نسيج اجتماعي مترابط وقوي يُجّرم السماح لأي أحد أن تسول له نفسه بتمزيق وزرع بذور الفتنة لتفتيت هذا النسيج والانحدار به إلى التناحر والتقاتل، بات أمرًا مُلحًا لا يحتمل التأخير. هذه النار التي يكتوي بسعيرها مُسْتهدف أوحد لن يطول بها الزمن حتى تطال ألسنتها بقية مكونات هذا المجتمع الآمن لا سمح الله اذا ما تركت الأمور على عواهلها. لذلك بات على المسؤولين مجابهة تلك النار وإخماد حريقها قبل أن تتمدد ويلتهم لهيبها الأخضر واليابس، بات واجبًا شرعيًّا ومطلبًا مجتمعيًا وأخلاقيًا. فديننا هو دين السلام والمحبة والوئام والجميع دون استثناء يستحقون العيش في بيئته التي يُؤمل أن يسودها هذا التفاهم والانسجام..

السيدة الفاضلة الحاجة فاطمة الأربش، تلك الأم الصابرة المحتسبة سطرت أنموذجًا فريدًا في تنشئة أبنائها ليصلوا إلى هذا المستوى من الخُلُق الرفيع في التضحية بالنفس لخدمة الصالح العام. الحاجة فاطمة ربّت فلذات أكبادها على الحب والعطاء والإيثار والشهامة والنجدة فحصدت بذلك أبناءً يمتلكون قوة الخُلُق وخُلُق القوة. وما شهامة ابنها الشهيد عبدالجليل وتفاني ابنها الشهيد محمد في خدمة الغير وبذل أرواحهما رخيصة إلا تجسيدًا لقوة الخُلُق وخُلُق القوة التي زرعتها تلك الأم الفاضلة في أبنائها. هنيئًا لهما تلك الصفات الحميدة من الإباء والنُبْل والشجاعة وهنيئًا لهما تلك الشهادة.

الأم الفاضلة الحاجة فاطمة الأربش أنت اليوم قد حققت ما يحلم بتحقيقه الكثير من الأمهات، فحصلت بجدارة على أعلى الأوسمة. وأي وسام أجَلَّ وأبدع وأزكى من تتويجك بأم الشهداء. كل النساء قد يلدن ذُكُورًا أما أنت يا حاجة فاطمة فبكل عزة وفخر وإباء قد أثبت للجميع بأنك بطلةٌ وصانعةُ الرجال، فهنيئًا لك هذا التتويج.