الشخص البخيل
البخل ليس مجرد صفة عادية، بل هو سلوك سلبي ينعكس على حياة الفرد والمحيطين به. الشخص البخيل لا يبخل فقط بالمال، بل كثيراً ما يبخل بالمشاعر، وبالوقت، وبالكلمة الطيبة. وهو بذلك يُفقد الحياة نكهتها، ويخلق حوله جوَّاً من النفور والبرود، في مقابل سعيه المبالغ فيه للاحتفاظ بما يملك، ظناً منه أنه يحمي نفسه.
يحكي الله تعالى في القرآن الحكيم وصية لقمان لولده التي هي ملاك الإعطاء والقبض: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: آية 29].
البخل هو الامتناع عن الإنفاق أو العطاء رغم القدرة عليه. وقد ذمَّت الأديان والأخلاق هذا السلوك، لأنه يُعبِّر عن أنانية مفرطة وقصر نظر، كما أنه يتنافى مع معاني الكرم والتكافل والتراحم، التي تقوم عليها المجتمعات السليمة.
والبخيل إنما يضيِّع على نفسه المدح والارتياح في الدنيا والثواب والأجر في الآخرة.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: آية 36,38]ً
الخوف الدائم من المستقبل:
يعيش البخيل في قلق مستمر من فقدان المال أو ضياع ما يملكه، فيكدِّس الأموال دون أن يستمتع بها أو يُفيد بها غيره.
شحٌّ في المشاعر:
غالباً ما يكون البخل في المال مترافقاً مع بخل في العاطفة، فلا يُظهر الحب، ولا يُعبِّر عن الامتنان، ولا يشارك الآخرين أفراحهم.
قال فضل بن أبي قرة: رأيت أبا عبد الله الصادق 
يطوف من أول الليل إلى الصباح، وهو يقول:
اللهم قني شح نفسي! فقلت: جعلت فداك، ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء؟! قال: وأي شيء أشد من شح النفس؟ إن الله يقول: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. [تفسير القمي: 685].
التمسك المفرط بالماديات:
البخيل لا يرى قيمة للإنفاق حتى على الضروريات، ويفضِّل التضحية بالراحة والجودة مقابل التوفير.
الجدال حول المصاريف الصغيرة:
البخيل يفتعل المشاكل لأتفه الأسباب، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاركة التكاليف أو الهدايا أو حتى واجبات الضيافة.
البخيل منبوذٌ اجتماعيا، تنفر منه الناس، فلا أحد يحب الجلوس معه،
ويكون بدون إحساس، لا يدفع شيئاً، ولا يشارك الآخرين، ويحضر المناسبات حتى وإن كان غير مدعو، ويأكل بكل جرأة، وزيادة على ذلك يدعو معه أصدقاءه وأقرباءه أيضاً.
عن الحسن بن علي الوشاء قال سمعت أبا الحسن «الإمام الكاظم» يقول: «السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار». [الكافي ج 4 ص 40].
كثيرًا ما يخلط الناس بين البخل والحرص، لكن هناك فرقاً كبيراً:
- الحرص:
تصرُّف شبه عقلائي، يوازن بين الإنفاق والادخار، ويهدف إلى استقرار مالي دون تضييع متعة الحياة.
- البخل:
مرض نفسي، وسلوك غير صحي، يقوم على الحرمان الذاتي وحرمان الآخرين، حتى لو توفرت الإمكانيات.
- قصة سمعتها من أحد مدراء البنوك، يقول:
تم نقلي إلى فرع من فروع البنك الذي أعمل به. وعند تفقدي لصالة الفرع والتعرف على عملاء الفرع الجديد، لفت انتباهي رجل كبير في السن جالساً في صالة العملاء ينتظر رقمه، جئت له وسلمت عليه ورحبت به وقلت له يا أبي ما عندك هنا، قال لي بصوت ضعيف ويده ترجف عندي فواتير منزلي أريد أن أسددها، فقلت له تعال معي. أردت أن أدخله الغرفة الخاصة بكبار عملاء البنك ونخدمه لكبر سنه، ولكنه رفض بشدة، وقال أريد أن أجلس هنا وأنتظر دوري مع الناس.
فتركته على راحته، وذهبت لمكتبي، فأتى موظف خدمات العملاء مبتسما ويقول لي هذا العميل أبو فلان يرفض أن نخدمه في الغرفة الخاصة بكبار العملاء ويفضل الانتظار لساعات طويلة، ويسدد فواتير الكهرباء والهاتف والمياه مع أنه عنده الخدمة الماسية. عندها أنا انصدمت وقلت للموظف هذا الرجل المسن عنده خدمة ماسية؟ قال بلى!! وقال لي اضغط الجهاز بهذه الأرقام وكان حسابه يوجد به أربعون مليون ريال. قلت: يا سبحان الله ولماذا هكذا حاله وثيابه معدمة وجاي البنك بتاكسي يوصله. قال الموظف: إنه يجلس مع العملاء ويرفض الذهاب لغرفة كبار العملاء لكي لا يراه أحد فيتعرف عليه ويقول لعائلته أن عنده رصيد أو حساب بالبنك.
وبعد مضي أشهر قال لي الموظف أن أبا فلان قد توفاه الله. وللآن لم يأت أحد من أولاده يسأل عن رصيد وحساب والدهم.
فقام الموظف بالاتصال بولده الأكبر وقال له ممكن تراجع البنك فمدير الفرع يريد مقابلتك؛ قال الولد لماذا يريد أن يقابلني؟ قال له بخصوص حساب لوالدك. ضحك الولد وقال أبي عاش فقيرا ومات فقيرا فكيف يكون له حساب أو رصيد؟
وفي اليوم التالي أتى الولد الأكبر ومعه أخوه وجلسوا مع مدير الفرع وعزاهم في والدهم، وقال لهم طلبتكم بخصوص إنهاء إجراءات حساب والدكم لأنه يوجد فيه رصيد. ضحك الولد وتساءل أبي عنده حساب وفيه رصيد؟ قال له نعم، وأعطاه كشف الحساب وبه الرصيد. أخذه الولد ويقول مستغربا كم هذا المبلغ أربعون ألفا، أربعمائة ألف، أو أربعون مليون ريال؟ قال له المدير: بل أربعون مليون ريال عند والدكم. فعندها وقف قائما وعرق وأصابته صدمة وردة فعل قوية، وظل صامتا لعدة دقائق وكأنه في حلم، ورجع ذكريات طفولته وحرمانه وحرمان والدته وإخوانه من الخير هذا. وقال للمدير: الله لا يسامحه، الله يعينه على عذاب الله.
حرمنا كلَّ شيء في طفولتنا، الجميع يعطف علينا من الناس والجمعيات، ونذهب للمدرسة أنا وإخواني بملابس قديمة وأحذية متقطعة، ونحن ساكنون بالإيجار، وأبي عنده فلوس وملايين!! الله لا يرحمه.
وهو يبكي.... حيث أصابته حالة الهيستيريا.
هناك مئات وآلاف من القصص المشابهة لهذه القصة عن البخلاء.
وبعض الأحيان يتمتع الشخص البخيل بعدة صفات منها
الاحتيال، المكر، استغلال الآخرين واستعطافهم للحصول على مبالغ نقدية، التظاهر بالفقر، يمنع نفسه من السفر والتنزه لكي لا يصرف شيئا من خزينته، عنده قاعدة الذي يدخل في الخزانة من المال ما يطلع.
نقول لهم لن تأخذوا معكم شيئاً في قبوركم، استغلوا أموالكم في الأعمال الصالحة، واجعلوا لكم في حياتكم صدقة جارية تكون منجاة لكم في دنياكم ومنفعة لكم في آخرتكم، سوف تتركون الأموال لغيركم يتنعمون بها، ولن يذكروكم بشيء.
ستعيشون عيشة الفقراء في الدنيا وسوف تحاسبون محاسبة الأغنياء يوم القيامة.
فلنكن من أهل الكرم، والدنيا لا تستحق أن نعيشها بأيد مقبوضة وقلوب مغلقة.
