آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

وجوه على صفحة الماء

ينتاب البعض فكرة أن الحياة حظوظ تصادف صاحبها ولا هناء لمن كان نصيبه منها الحزن والهموم والمتاعب، بينما يحظى آخرون بقدر وافر من العافية والتسهيل لأمورهم وجريانها وفق آمالهم.

وهذه الفكرة تصيب الواقعية والصحة من جهة جريان الأمور وتدبيرها وفق المشيئة والحكمة الإلهية، بينما تخالفها من جهة أن فكرة الإنسان المعافى من كل محنة وابتلاء ليست بصحيحة، فالظروف بكل تلاوينها محطات ابتلاء واختبار للإنسان يخرج بعدها مرفوع الرأس بما صبر وأنجز، أو يخرج صفر اليدين بعد أن عصرته قبضة الزمن دون أن يحقق وجوده أو يعتلي درجات الرقي والفضيلة والاستقامة، إنها الحقيقة التي بمواجهتها يكتسب الفرد فهما وإدراكا للواقع ومجريات الأحداث وكيفية التعامل معها ومواجهتها دونما تخوّف أو تهرّب من المسئولية، فالحياة مجموعة أوراق متلاحقة تطوي في كل يوم سجل إحداها بما حملته منك من كلمات وقرارات وتصرفات، في كل يوم محطات اختبار لقدراتنا ليرتسم بعدها معالم وأبعاد شخصياتنا بما اتخذناه وفعلناه، فلا نحتاج إلى حكم ممن حولنا يبين لنا حقائقنا بقدر احتياجنا للوقوف أمام مرآة النفس والتعرف على نتائج المحطات الاختبارية التي مررنا بها، وبالطبع فإن الأيام تمثل تراكما من التجارب والخبرات ومضات نستفيد منها مستقبلا، كما أن تلك التحديات والظروف الحياتية الصعبة تعد فرصا سانحة لتحويلها إلى مصادر لتنمية القدرات والتعرف على نقاط الضعف وأوجه الأخطاء عندنا، فالحياة مدرسة نستقي منها الدروس والعبر إن أحسنّا التصرف وأرعينا الانتباه والتركيز فلما نفوّت فرصة التعلم والتقدّم، وتعلمنا مبدأ دراسة الواقع بمعطياته أو المشكلة وأبعادها وتعاملنا معها بالمعالجة والتجاوز الإيجابي لعُقدها، وليس هناك من مسبار اختبار يقيس قدراتنا ويعرفنا بما نمتلكه من إمكانيات كتلك المواقف الحياتية، والتي تظهر مستوى النضج والرشد العقلي عند الإنسان ومدى توظيفه له على مستوى مواقفه العملية واتخاذ قراراته، فعندما نتعرّض لموقف مسيء وتجاوز من أحدهم فإن ردة الفعل العاقلة هي تجاوز الموقف وكأنه لم يحدث والتسامح مع صاحبه؛ بغية الحفاظ على تصالحنا مع أنفسنا وتنزهنا عن الانحطاط الأخلاقي والتلفّظ بالعبارات غير اللائقة تربويا، وهذا الخيار والقرار ليس من السهل اتخاذه والمضي فيه خصوصا مع استفزاز المشاعر ومحاولة ضبط النفس والحفاظ على هدوئها وعدم الانجرار لردات فعل غاضبة، ولكن المواقف الحياتية تربي النفس على ذلك وتكسبها شجاعة في الموقف وهيبة في القرار ورفعة ومكانة بالتحلي بالحكمة والصبر.

كما أن مقابلة مشكلة على المستوى الأسري أو الوظيفي أو الاجتماعي أو الثقافي أو غيره يظهر حقيقة الأفراد وذلك من خلال كيفية التعامل معها والاتجاه والنتائج بعدها، فهناك من يتعامل بواقعية وشفافية فتعلو همته وإرادته بحثا عن العوامل والمعطيات والاحتمالات والقرارات المناسبة، بخلاف من يتعامل مع الأزمات بتهور واندفاع قد تحكّمت فيه مشاعره المستفزة، باحثا عن نفسه في وسط ركام التيه والضياع والانتصارات الوهمية، وآخر يتصف بالضعف والانهزامية والتهرب من تحمل المسئوليات فيؤثر التسلل والانسحاب بهدوء أمام كل اختبار واستحقاق، كاشفة تلك المواجهة عن قدرته على التكيف مع الصعوبات والآلام والقدرة على الحفاظ على هدوء نفسه وحكمته في الخطوات التي يقدم عليها.