روابط الأخوّة بين الدعم والصراع، قراءة في اليوم العالمي للأشقاء
في العاشر من أبريل من كل عام، يحتفي العالم ب»اليوم العالمي للأشقاء»، وهي مناسبة رمزية نشأت عام 1995 على يد الأمريكية كلوديا إيفارت، تخليدًا لذكرى شقيقيها اللذين فقدتهما في حادث مفجع. لم يكن الهدف من هذا اليوم الترف أو التسلية، بل إعادة تسليط الضوء على تلك العلاقة العميقة التي تجمع بين الإخوة والأخوات، والتي كثيرًا ما تُهمل رغم أثرها الوجودي في تشكيلنا النفسي والعاطفي والاجتماعي. العلاقة بين الأشقاء ليست مجرد قرابة دم، بل هي مرآة تنعكس فيها تجارب الطفولة، ومواقف الحياة، والمنافسة، والدعم، والحب، والغيرة، والمشاركة في أسرار الطفولة وضغوطها. وهي علاقة تتأثر سلبًا أو إيجابًا بمواقف الأهل وتربيتهم، وبتوازنهم أو انحيازهم، بحكمتهم أو تسرعهم. في بعض البيوت، تنمو بذور الغيرة والاحتقان بين الإخوة نتيجة تمييزٍ أبوّيٍ غير عادل، أو نرجسية أسرية لا ترى في الأبناء سوى امتدادًا للذات أو وسيلة لإثبات نجاح شخصي. يتكرر المشهد المؤلم حين يُقارن أحد الأبناء بالآخر باستمرار، أو يُحمّل الأكبر مسؤوليات تفوق طاقته، أو يُمنح الأصغر امتيازات بلا ضوابط، أو يُستثنى أحد الأبناء من المحبة والاحتواء. وهذه الممارسات وإن بدت بسيطة تخلق تصدعات في جدران العلاقة الأخوية يصعب ترميمها لاحقًا.
وقد تناول القرآن الكريم هذا التحدي الأخوي منذ أول البشرية، في قصة قابيل وهابيل، حين دفع الغلّ والحسد أحد الإخوة إلى قتل الآخر، لكن على الجانب الآخر، هناك أسرٌ استطاعت أن تصنع من علاقة الأشقاء منبعًا للسلام النفسي والروحي. أسرٌ آمنت بأن كل ابن فريد، وكل ابنة لها شخصيتها ومساحتها، فزرعت بينهم الاحترام، وشجعت على التقدير المتبادل، وامتنعت عن المقارنات السامة.
في هذه البيوت، يكبر الإخوة كأصدقاء، لا كمنافسين. يحتفلون بنجاح بعضهم، ويحتوون ضعفهم، ويتشاركون أعباء الحياة ومناسباتها. وكما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «أخوانك شركاؤك في الرزق، وعونك في المصائب، فلا تفرّط فيهم، فهم أثمن من الذهب.»
كيف نُرمّم العلاقات الأخوية المتصدعة؟
حتى في حال وجود جراح أخوية، أو علاقات سامة تشكلت في الطفولة، يبقى الأمل موجودًا في التعافي وإعادة البناء، عبر مسارات ناضجة وواعية، منها:
مراجعة الدور الشخصي وكسر الصورة النمطية المفروضة علينا من الطفولة، واستعادة الوعي بدورنا الجديد كأشقاء بالغين.
التحرر من الجراح القديمة، الغفران لا يُعني النسيان، بل التحرر من الألم. يمكن التعبير عن مشاعرنا المؤلمة بشجاعة، دون إدانة، بل بهدف التفاهم.
تأسيس طقوس عائلية محببة كوجبة عائلية، أو لقاء دوري، أو تهنئة في المناسبات، كل هذه المبادرات تفتح أبوابًا جديدة.
وضع حدود صحية فالحب لا يتناقض مع الحماية الذاتية. من حق الإنسان أن يضع حدًا لأي علاقة تُشعره بالخذلان المتكرر.
الدعاء والتواصل الروحي فرب أخٍ لا تحسن إليه الأقوال، ولكن يُلين قلبه دعاءٌ خالص من القلب.
اليوم العالمي للأشقاء ليس مجرد مناسبة عابرة، بل فرصة لإعادة النظر في هذه العلاقة الغالية، سواء كانت قوية نحتفي بها، أو ضعيفة نُرممها، أو موجعة نُحاول التخفف من آثارها. الأخ لا يعوّض، لكن العلاقة تُبنى، وتُرمم، وتُعاش من جديد بنية صادقة، وحكمة راشدة.
فلنستثمر هذه المناسبة في تعزيز قيمة الأخوّة بين أبنائنا، وفي مصالحة أنفسنا مع إخوتنا، وفي تربية جيلٍ يرى في أخيه ظله، لا منافسه.