نحن بين نوعين من البشر... إيجابا وسلبا
هناك نوعٌ من البشر نادر الوجود في تدينه وحنكته وحكمته، يسعى بكل همته وعزمه أن يبني جسورًا من الألفة والمحبة والترابط الأسري والاجتماعي.
يخلق هذا النوع من البشر جوًا من الثقة والتقارب البنّاء الذي ينعكس بدوره على كسب القلوب ليربطها بعضها ببعض، وليتفادى كل ما يعكر الأجواء بين أطرافٍ تعيش في تباعدٍ وكآبةٍ وقلقٍ وانفصالٍ عاطفي وتباعدٍ اجتماعي؛ نتيجة تراكم الخلافات والاختلاف في وجهات النظر.
يظهر هذا السعي جليًا خاصةً فيما يحصل بين أي زوجين متخاصمين، يعيشان جوًا من البعد والاضطراب النفسي، والذي قد يقود الأزمة الناشبة فيما بينهما إلى الانفصال والطلاق.
فيقوم أولئك العقلاء وأصحاب الرُّشد من المصلحين، الذين يخافون الله جل وعلا، بالسعي وبذل الجهد لكشف وطرد تلك الغمامة، وتقريب وجهات النظر، ولمّ الشمل مرة أخرى؛ لتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية، ليسود الحب والوئام والتلاقي بالكلمة الطيبة والفعل الجميل.
فيأخذُ المصلحُ من هذا الطرف ويسمع لذاك، مستهدفًا قول كلمة الإنصاف والحق، وما يقرّب القلوب وينزع الشوائب، والجمعَ فيما بين الطرفين وحثهما على التنازل والتغاضي والتراضي كلٍّ للآخر.
فجأة... ومن غير سابق إنذار، يدخل ضعاف النفوس وأصحاب المآرب الشخصية والأطماع الدنيوية، والذين يتلبسون لباس الدين والدين منهم براءٌ.
يدخلون بالتهديد والوعيد على طرفٍ من الأطراف نتيجة مآرب شخصية وعلاقات مصلحية واجتماعية ووجاهية، لمن وكّلوهم لمتابعة حيثيات تلك القضية المأساوية وتبعاتها.
وذلك بصب الزيت على النار لتزداد اشتعالاً؛ ليثبتوا قوة تمكّنهم وسيطرتهم على سير الأحداث بإدارة دفة المعركة على حسب أهوائهم.
وإن استدعى الأمر استخدام طرقٍ ملتوية باسم الشرع في تثبيت رؤاهم؛ حتى لا يكون هناك فرصة للتراجع وغلق الأبواب.
إذًا، لا وجه للمقارنة لهذين الصنفين من البشر؛ فمنهم من يعمل لرضا الله وكسب الأجر والثواب، وآخر لرضا نفسه وتحقيق مآربه وغاياته والتسلط على الآخرين ووضعهم في موقف لا يُحسدون عليه.
فنسوا وتناسوا، وعند الله تجتمع الخصوم. فالنماذج من هذه النوعية الكيدية والاستعلائية كثيرٌ كثير... وحسبي الله ونعم الوكيل.