آخر تحديث: 27 / 4 / 2025م - 12:07 ص

هل يمكن للنظام الغذائي أن يكون المحرك الخفي وراء تفاقم السرطان وانتشاره؟

جهات الإخبارية

كشفت دراسة علمية حديثة، تم نشرها في الدورية العلمية المرموقة ”Nature Communications“، عن وجود ارتباط مقلق بين استهلاك نظام غذائي غني بالدهون وتسارع وتيرة انتشار الأورام السرطانية في الجسم.

وأوضحت النتائج أن الدهون العالية تلعب دورًا محوريًا في تنشيط الصفائح الدموية، مما يساهم بدوره في تكوين ما يُعرف بـ ”البؤر ما قبل النقيلية“، وهي بيئات دقيقة تُهيئ الظروف المواتية لانتقال الخلايا السرطانية من الورم الأولي إلى أعضاء أخرى، وبشكل خاص الرئتين.

وتأتي هذه الدراسة لتضيف بُعدًا جديدًا للفهم العلمي المتزايد للعلاقة المعقدة بين النظام الغذائي والسمنة وخطر الإصابة بالسرطان وتطوره، حيث تشير أبحاث سابقة متعددة إلى أن السمنة تُعتبر عامل خطر للإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات، منها سرطانات الثدي، وبطانة الرحم، والمبيض، والبنكرياس، والقولون.

واستخدم الباحثون في هذه الدراسة نموذجًا حيوانيًا لفئران أُصيبت بالسمنة نتيجة اتباع نظام غذائي عالي الدهون لمدة 12 أسبوعًا، بهدف دراسة تأثير هذه الدهون على التفاعل بين الصفائح الدموية والخلايا السرطانية بعد حقنها بخلايا سرطان الثدي.

وأظهرت الملاحظات أن الصفائح الدموية لدى الفئران التي استهلكت الدهون بكثرة كانت أكثر نشاطًا واستجابة للمنبهات الكيميائية، مثل الثرومبين، مما أدى إلى إفراز كميات أكبر من المركبات التي تُعزز التصاق الخلايا السرطانية وتجمعها.

ولوحظ ارتباط متزايد لهذه الصفائح النشطة ببروتين ”الفيبرونيكتين“، وهو بروتين لاصق معروف بدوره الحاسم في تسهيل هجرة الخلايا السرطانية وتشكيل بؤر انتشار جديدة، خصوصًا في الرئة.

وعلى صعيد تطور المرض، سجلت الفئران التي خضعت للنظام الغذائي الغني بالدهون زيادات ملحوظة في أحجام الأورام الأولية، والأهم من ذلك، ارتفاعًا كبيرًا في عدد النقائل السرطانية بالرئتين بلغ 3,17 ضعفًا مقارنةً بالفئران التي تناولت نظامًا غذائيًا طبيعيًا.

وكشف التحليل الدقيق لهذه النقائل أن أكثر من 69% منها كانت على هيئة خلايا سرطانية فردية، مما يشير إلى أن النظام الغذائي عالي الدهون يعزز بشكل خاص المراحل المبكرة من عملية الانتشار السرطاني وتوجيه الخلايا نحو الأعضاء الثانوية.

وعزز تحليل التعبير الجيني في رئات هذه الفئران النتائج، حيث أظهر زيادة في نشاط الجينات المرتبطة بالالتهاب، والتصاق الخلايا، والتوازن الوعائي، مع زيادة بارزة في التعبير عن جين الفيبرونيكتين تحديدًا في كل من الخلايا المبطنة للأوعية الدموية والصفائح الدموية.

وفي جانب مُبشّر، أجرى الباحثون تجربة إضافية قاموا فيها بتغيير النظام الغذائي للفئران من عالي الدهون إلى نظام طبيعي بعد فترة، ولاحظوا انخفاضًا ملموسًا في تسرب الأوعية الدموية الرئوية وتراجعًا في معدلات تكوين النقائل السرطانية.

وتُشير هذه النتيجة الواعدة إلى إمكانية توظيف التدخلات الغذائية كأداة داعمة ومحتملة للمساعدة في الحد من انتشار السرطان لدى المرضى.

وتخلص الدراسة إلى أن تأثيرات النظام الغذائي الغني بالدهون تتجاوز مجرد التسبب في زيادة الوزن والسمنة، بل تمتد لتُحدث تغييرات وظيفية في مكونات الدم، وخاصة الصفائح الدموية، مما يخلق بيئة داخلية أكثر ملاءمة لانتشار الأورام.

ويؤكد الباحثون في ختام دراستهم على الدور الهام للعوامل الخارجية، وفي مقدمتها النظام الغذائي، في تعديل سلوك الخلايا المناعية والخلايا السرطانية على حد سواء، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم المرض وتطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية مستقبلية.