نظرية وحدة الأفق: الروايات الخاصة… بين الاستظهار والتحقق التجريبي
الروايات الخاصة بقضاء الصوم هي التي استظهر منها السيد الخوئي «قدس سره» نظرية وحدة الأفق أي كفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الهلال في بلد آخر يشترك معه في الليل ولو مع اختلاف أفقهما. وأنا كمهتم بالأهلة وبمباني الفقهاء في مسألة ثبوت الهلال لم أجد استدلالا فقهيا على تقييد ظهور الإطلاقات الواردة في الروايات الخاصة بقضاء الصوم بمعيار الاشتراك في الليل. إنما المعروف أن هذه الروايات نفسها استفاد منها السيد الخوئي الإطلاق لتشمل جميع بقاع الأرض وفق مبناه السابق قبل التراجع. كذلك مستبعد وجود استدلال فقهي ناهض مع كون هذه النظرية مخالفة لأبسط قواعد علم الأصول في عدم الجمع بين الروايات المتناقضة، حتى أشكل عليه السيد الطهراني «قدس سره» بقوله ”فما أُفيد في المقام من الإصرار على أخذ ظهور الإطلاقات الواردة في قضاء الصيام، ثمّ الإصرار على إسقاط ظهور الروايات الواردة في دخالة الرُّؤية، عن الموضوعيّة إلى الطريقيّة المحضة؛ ممّا يجعل الباحث على القطبين المختلفين، من الإفراط في الأوّل والتفريط في الثاني.“ [1]
ولمعرفة كيف استظهر السيد الخوئي نظرية وحدة الأفق - الاشتراك في الليل من الأدلة الخاصة بقضاء الصوم، أكتفي بعرض روايتين من الروايات الخاصة:
ورد في المنهاج للسيد الخوئي:
... النصوص الدالة على ذلك، ونذكر جملة منها:
1- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين قال: ”إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما“.
فإن هذه الصحيحة بإطلاقها تدلنا - بوضوح - على أن الشهر إذا كان ثلاثين يوما في مصر كان كذلك في بقية الأمصار بدون فرق بين كون هذه الأمصار متفقة في آفاقها أو مختلفة إذ لو كان المراد من كلمة مصر فيها المصر المعهود المتفق مع بلد السائل في الأفق لكان على الإمام أن يبين ذلك، فعدم بيانه مع كونه
في مقام البيان كاشف عن الإطلاق. [2]
2- صحيحة أبي بصير «قال عنها في المستند: أوضح من الجميع» عن أبي عبد الله أنه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال: ”لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، وقال لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه“.
الشاهد في هذه الصحيحة جملتان: «الأولى» قوله ”لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة“ «إلخ» فإنه يدل - بوضوح - على أن رأس الشهر القمري واحد بالإضافة إلى جميع أهل الصلاة على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها ولا يتعدد بتعددها..." [3]
كما هو واضح أنه بقرينة القضاء لمن صام تسعة وعشرين يوما، استظهر أن الشهر إذا كان ثلاثين يوما في مصر كان كذلك في بقية الأمصار المشتركة في الليل بدون فرق بين كون هذه الأمصار متفقة في آفاقها أو مختلفة، وأيضا بداية الشهر واحدة في هذه الأمصار. وهذا الاستظهار ليس فقهيا وإنما استظهار فلكي خاطئ نتيجة اشتباه فلكي بأن الشهر الهلالي لا ربط له بالآفاق الأرضية والمطالع والمغارب وإنما هو حادثة سماوية لا دخل لها بالأرض.
الآن نأتي إلى اختبار صحة نظرية وحدة الأفق وفق استظهار الروايات، والمعيار الوحيد للتأكد من صحتها هو معيار التحقق التجريبي.
نأخذ مثالا شهر شوال/ ذي القعدة 1445 من حيث بداية الشهر وعدد الأيام في بلدين مشتركين في الليل وفق مبنى وحدة الأفق.
1- في الأحساء والقطيف
غرة شهر شوال 1445: الأربعاء الموافق 10/أبريل/2024 [4] .
غرة شهر ذي القعدة 1445: الخميس 9/مايو/2024 [4] .
عدد أيام شهر شوال: 29 يوما
2- في طوكيو
غرة شهر شوال 1445: الأربعاء الموافق 10/أبريل/2024 [5] «بسبب الاشتراك في الليل مع بلد الرؤية ”الأحساء والقطيف“ وفق الخريطة في الأسفل».
غرة شهر ذي القعدة 1445: الجمعة 10/مايو/2024 [6] «بالرؤية وفق الخريطة في الأسفل».
عدد أيام شهر شوال: 30 يوما
مثال آخر شهر رمضان / شوال 1446
1- في الأحساء والقطيف
غرة شهر رمضان: السبت الموافق 1/مارس/2025 [4] .
غرة شهر شوال: الاثنين الموافق 31/مارس/2025 [4] .
عدد أيام شهر رمضان: 30 يوما
2- في أمريكا
غرة شهر رمضان: السبت الموافق 1/مارس/2025.
غرة شهر شوال: الأحد [7] «بسبب الاشتراك في الليل مع بلد الرؤية ”طوكيو“ وفق الخريطة في الأسفل»
عدد أيام شهر رمضان: 29 يوما
التحقق التجريبي أثبت عدم صحة نظرية وحدة الأفق - الاشتراك في الليل وفق استظهار الروايات الوارد في المنهاج، حيث لا يوجد توافق في عدد أيام الشهور وبداياتها في البلدان المشتركة في الليل وذات الآفاق المختلفة، وإنما الصحيح هو ذهاب المشهور بأن المدار في دخول الشهر هو رؤية الهلال.
والله تبارك وتعالى دعا أرباب العقول بقوله عز من قائل: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: آية 17,18]