أما تنهضي؟!
وهو واقف أمام مرآة النفس يحدّثها بمسار حياته ويقيّم معها ما يصدر منه؛ رجاء التعرف على حقيقة نفسه وما يمتلكه من قدرات ومكتسبات تنجح رغباته، والاطلاع على نقاط الضعف والتقصير عنده فيسارع إلى معالجتها والتخلص من تبعات النقائص والعيوب، إذ في زحمة الانشغالات الحياتية قد ينسى المرء نفسه ويضيعها بعد فقدان بوصلة السعي الحثيث والحركة الحادة نحو تحقيق الذات وإثبات وجودها وقيمتها الفاعلة، وهدأة النفس أمام مجهر الفحص والتدقيق تهب الصورة الحقيقية بدون رتوش أو مجاملات الآخرين، فكم من إنسان لا يعرف حقيقة نفسه ولا ما يمتلكه من قدرات ويصاب بالحيرة والانكسار أمام صعوبات الحياة ومتاعبها، وهذه التحديات والاستحقاقات - بالتأكيد - لا يمكن مجابهتها بالتهاون والتعاجز والتهويل أمام المستقبل المجهول وما يحمله من خفايا، كما أن الغفلة عن التحسين والتطوير والترقي في درجات التكامل والتنزه عن الرذائل الأخلاقية يبقيه في دائرة العمى عن الحقائق والومضات التنويرية للعقل والقدرات، ويفقد مع هذه الغفلة الإحساس بالمسئولية أمام تقادم الأيام ومرور الأعمار وفقدان الفرص المتاحة وتحويل محطات الاختبار والأزمات إلى مواجهة تكسبه الخبرات والتعلم من الأخطاء، فرأس مال الإنسان والرصيد الحقيقي ليس ما يمتلكه من مال، بل هي أوراق عمره التي يُطوى سجلها ورقة بعد أخرى دون شعوره بفقدان ورقة القوة عنده، وهي الأوقات المضيعة بين لهو الحديث والجلسات التي لا فائدة مرجوة منها، وأوقات النظر السلبي للماضي باجترار الآلام والأحزان والتحسّر على مواقف مضت ولا يمكن تغيير تفاصيلها، بقدر ما يغيب عنه استلهام الدروس والعبر والتعلم من الأخطاء والنهوض مجددا بعد السقوط.
تحفيز النفس وبث الفاعلية والنشاط فيها والتزام خط الثبات والاستقامة يحتاج إلى مذكر ومحذر من المخاطر المحدقة، وقصر الأعمار في الحياة يدعو إلى اغتنام الأوقات وتوفير الجهود للأهداف والمشاريع المستحقة بدلا عن تبديدها في الفقاعات الفارغة، وإحدى أهم علامات الوعي والنضج العقلي عند الإنسان هي قائمة أولوياته واهتماماته الدالة على محددات شخصيته، سواء على مستوى علاقته بالله تعالى أو علاقاته بالآخرين أو طموحاته المعرفية والوظيفية، وما أعظم أن يكون هناك صوت توعوي ذاتي يستمع إليه الفرد ولما يقدم من توجيهات ونصائح، فالمعاتبة الذاتية وتأنيب الضمير ينفض عن المرء غبار الغفلة والتهاون، فالمواقف الحياتية لنا وللآخرين تعد دروسا كافية ينبغي فهمها واستيعابها؛ لتكون دافعا نحو التغيير الإيجابي والتوقف عن هدر الأوقات، فقد نكون في حالة غفلة أو تقصير وخسران وفقدان للشعور بمرور الأوقات وضياعها، فنستفيق على صوت النفس المتألمة لسوء حالنا وتدعونا للمعالجة والتغيير والنهوض بالأعباء الملقاة على عاتقنا في طريق الإنجاز وتحقيق الذات.
الحياة السطحية والهامشية لا تليق بالإنسان المكرم الساعي في طريق التقدم والتطوير، ولذا يترفع المرء وينبذ تلك الأوقات المضيعة لجهوده ووقته الثمين، بعد أن استشعر قيمة حياة الهمم والإرادات الصانعة للواقع وتلك الفرص المتاحة أمامه مستثمرا ما يمتلكه من قدرات وإمكانيات.