آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

النضج العاطفي الغائب الحاضر في أزمة العلاقات الزوجية

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

في السنوات الأخيرة، لوحظ ارتفاع في حالات الطلاق لأسباب لا تتعلق بالخيانة أو العنف أو الفقر، بل بسبب ما يُعرف بالجفاف العاطفي أو غياب النضج الوجداني لدى أحد الطرفين، لا سيما الرجل.

ولا يقتصر ذلك على المجتمعات الشرقية، ففي دراسات غربية نشرت ومنها دراسة في «Journal of Marriage and Family» بعام 2019 م بينت أن أحد أهم أسباب الانفصال هو الشعور بالإهمال العاطفي رغم توافر الاستقرار المالي والاجتماعي، وتُظهر النتائج أن الشعور بالوحدة داخل العلاقة، خاصة لدى النساء، لا يرتبط بعدم وجود شريك، بل بعدم وجود تواصل وجداني حقيقي معه.

النضج العاطفي لا يُقاس بالعمر أو النجاح المهني، بل بقدرة الإنسان على الاعتراف بمشاعره، وتحمّل مسؤولية أثرها، وممارسة التعبير عنها بطريقة صحية. لكن كثيرًا من الرجال نشأوا في بيئات تعلّمهم أن الرجولة تقتضي الصمت، وأن البوح ضعف، وأن الانفتاح العاطفي قد يعرّضهم لفقدان الهيبة أمام الشريكة.

بل إن وسائل الإعلام حين تعرض نموذجًا لرجل يُظهر الحب أو يُعبر عن احتياجه العاطفي أو يظهر مشاعره لشريكته يُستقبل غالبًا بالسخرية والتنمّر والتقليل من هيبته ومرؤوته وتتهمه بضعف الشخصية، هذا النوع من التنميط يعزز الخوف من التعبير العاطفي، ويشوّه صورة العلاقات الصحية، ويجعل الرجل يختار الصمت بدلاً من الانفتاح، حتى مع أقرب الناس إليه.

لكن الشريعة الإسلامية سبقت هذه المفاهيم المغلوطة حين وضعت قاعدة العلاقة الزوجية في قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً». هذه المودة والرحمة ليست عبارات شعرية، بل ممارسات يومية في طريقة الحديث، وحسن العشرة، والرفق في الخلاف.

وكان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أرقّ الناس في تعامله مع زوجاته، يسمع، يمازح، يعبر عن حبه، ويقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». لم تكن مشاعره ضعفًا، بل كانت قوة في الاتزان، وقدوة في التراحم.

وفي المقابل، لا يمكن إنكار وجود نماذج من النساء يستغللن الرجل العاطفي أو الحساس، مما يجعل بعض الرجال يلجون للجفاف العاطفي كوسيلة دفاع. وهنا يخسر الطرفان المعنى الحقيقي للشراكة.

الحب بين الزوجين لا يُقاس فقط بالمواقف العملية، بل يتطلب حضورًا وجدانيًا. فهناك احتياجات لا يلبّيها سوى شريك الحياة: الإنصات، التواجد، النظرة الحنونة، المزاح العفوي والتلامس الحميمي، والمساندة النفسية.

ومع نضج الأبناء وتراجع ضغوط الحياة اليومية، تصبح الحميمية العاطفية — لا الجسدية فقط — هي العمود الفقري للعلاقة. وتظهر أعمق صورها في الصداقة بين الزوجين، والقدرة على الحديث بلا خوف، والمسامحة بلا شروط.

ربما حان الوقت لإعادة تعريف مفهوم الزواج ليشمل الحضور العاطفي، والانفتاح النفسي، والمودة العملية.

ويبقى السؤال مفتوحًا للتأمل والنقاش:

هل نربي أبناءنا ليكونوا شركاء في المشاعر، لا فقط في المسؤوليات؟

وهل نملك الشجاعة لإعادة التوازن بين الرجولة والرحمة؟

وهل يمكن للإعلام أن يكون شريكًا في بناء صورة إيجابية للزواج، تُبنى على المحبة لا التنافس، وعلى التفاهم لا الصمت؟

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي