آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

حرب ترامب المستحيلة ليست مع الصين

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

لم أستسغ أبداً انتقاد الرئيس ترامب على رؤوس الأشهاد لرئيس الاحتياطي الفدرالي جيوم باول، ليس لأسباب شخصية، بل بأن ذلك يلحق ضرراً بكل من يحمل دولاراً أو يتعامل به، وأن معركة الرئيس مع باول ستجلب للرئيس وللاقتصاد الأمريكي مزيداً من الضبابية، فضلاً عن أنها معركةٌ ستستهلك الكثير من الهيبة العالمية للاقتصاد الأمريكي، وتصنع للاقتصاد العالمي أزمة قد تتفاقم إلى ”هزة“ دون وجود مبرر حقيقي لذلك سوى أن سياسي يريد أن يصيغ السياسة النقدية التي تعتمد على أدواتٍ جافة.

تحدث رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع الماضي «16 أبريل» في نادي شيكاغو الاقتصادي عن النظرة الاقتصادية وسياسة النقد وتأثير سياسات الرسوم الجمركية للرئيس دونالد ترامب، مذكراً التزام الاحتياطي الفيدرالي بالتفويض المزدوج لتحقيق الحد الأقصى من التوظيف واستقرار الأسعار وسط عدم اليقين الاقتصادي الناتج عن سياسات الرسوم الجمركية العدوانية لترامب.

ولم يشكك باول في أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويًا، مستشهداً بسوق عمل قريب من التوظيف الكامل «full employment» وتضخم أعلى من هدف 2 بالمائة لكنه في تراجع، محذراً من أن الرسوم الجمركية المتصاعدة قد تؤدي إلى زيادة التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي، مما يشكل تحديات للسياسة النقدية.

أما ما كان مستفزاً للرئيس ترامب، فهو تشديد السيد باول على استقلالية الاحتياطي، مشيرًا إلى أنه يعتمد على البيانات الاقتصادية وليس الضغوط السياسية، وهو في وضع ”انتظار وترقب“ لتقييم تأثير التغييرات السياسية قبل تعديل أسعار الفائدة. كما تناول تقلبات السوق، واصفًا إياها برد فعل منطقي لتغيرات سياسة التجارة التي أحدثها الرئيس، وأنها ليست أزمة تتطلب تدخلًا فوريًا.

ما يستفاد من حديث باول وسط التجاذب بينه وبين الرئيس ترامب جملة من النقاط:

التفويض المزدوج: يركز الاحتياطي الفيدرالي على تحقيق التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، رغم التحديات الناتجة عن الرسوم الجمركية. سوق العمل في حالة جيدة، والتضخم أعلى من 2% لكنه تراجع عن ذروته.

مخاطر التضخم بسبب الرسوم: حذر باول من أن الرسوم الجمركية ”الأكبر من المتوقع“ قد ترفع التضخم بشكل مؤقت أو مستمر، مما يصعب تثبيت توقعات التضخم.

مخاوف تباطؤ الاقتصاد: قد تؤدي الرسوم إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة البطالة، مما يبعد الاقتصاد عن أهداف الاحتياطي.

نهج الانتظار: لن يتعجل الاحتياطي تعديل أسعار الفائدة، وسيظل عند 4,25%-4,5% في اجتماع مايو 2025، بانتظار وضوح تأثير سياسات التجارة والهجرة والمالية، ما جعل ترامب يعلق لاحقاً بأن بأول بطيء.

استقلالية الاحتياطي: أكد باول على استقلالية الاحتياطي قانونيًا، مؤكدًا أن السياسة النقدية تعتمد على البيانات وليس السياسة، ما استدعى أن يعلق ترامب بأن بوسعهِ إزاحة بأول إذا ما أراد ذلك. لكنه إن قرر الرئيس أن يتدخل في السياسة النقدية فخسائر أمريكا ستكون فوق التصور؛ إذ سيلحق أضراراً بعملتها ”الدولار“، وفي كفاءة قطاعها المصرفي إجمالاً، وسيعني ترجل السياسة النقدية الأمريكية من على سنام الرصانة والسعي للتوازن، ما قد يؤدي إلى تراجع الاقبال على السندات الحكومية باعتبار انها ملاذ عند الهزات، وفي التاريخ خير عبرة فقد أضاعت الولايات المتحدة عقد السبعينيات المالية ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة لتدخل الرئيس نيكسون في السياسة النقدية.

تقلبات السوق: وصف تقلبات السوق بأنها استجابة منطقية لتغيرات سياسة التجارة، وليست أزمة تتطلب تدخلًا فوريًا.

قضايا ناشئة: أشار إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي في تغيير الاقتصاد العالمي وضرورة تنظيم العملات الرقمية، خاصة العملات المستقرة.

عكس حديث باول نهجاً حذراً وسط مخاوف نشوب حرب تجارية تقرع طبولها، دون مؤشرات واضحة لخفض الفائدة قبل يونيو 2025 ما يضع ترامب ام تحدي مزدوج: الصين والاحتياطي الفدرالي، ومعضلته أن ليس بوسعه فتح مجابهة شاملة مع أيٍ منهما، والسبب: أن نشوب حرب تجارية مع الصين ستحدث كدمات في الاقتصاد الصيني لكنها خسائر أمريكا ستكون أكبر في المدى القصي والمتوسط، وفي ظني أن حرب ترامب مع بأول أكثر ضراوة، فأي تدخل من طرف الرئيس في السياسة النقدية سيجعل متانة السياسة النقدية الامريكية في مصاف دول العالم الثالث! وتتبخر الثقة العالمية في الاحتياطي الفدرالي ومعها موجة بيع حادة لسندات الخزانة الأمريكية، ما يعني في الأجل القصير أن تعاني الحكومة في بيع أذوناتها من جهة وتدفع تكاليف متصاعدة فوائداً لحامليها! فضلاً عن أن التدخل السياسي من قبل الرئيس وفريقه في السياسة النقدية سيعني توجيهها نحو النمو «طبع المزيد من النقود» على حساب ضبط التضخم، ما يعني ان السياسة النقدية ستصبح أداة لتمويل العجز المالي وليس أداة هدفها استقرار الاقتصاد.

وما يزيد الطين بلة على ترامب أن رئيس الاحتياطي الفدرالي الامريكي جيروم باول ليس وحيداً في قلقه من الضبابية التي احدثتها تقلبات سياسات الرسوم الجمركية، وانعكاساتها على الاقتصاد الأمريكي، فقد انضمت إلية السيدة لاجارد رئيس البنك المركزي الأوربي. فعلى الرغم من خفض البنك سعر فائدة اليورو بمقدار 25 نقطة أساس، لكنها كانت ترغب في تخفيض قدره 50 نقطة أساس. أما ما منعها من ذلك فهو ”الضبابية“ التي تحف ليس فقط بالتجارة العالمية بل بآفاق نمو الاقتصاد العالمي، وفيما يخص الاتحاد الأوربي فقد سجلت الولايات المتحدة عجزاً تجارياً قدره 236 مليار دولار في العام. 2024، وأن الرئيس ترامب فرض تعريفة جمركية 10% على الواردات من الاتحاد.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى