آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

حين تشتعل الفتنة بصوتٍ خافت: كيف تفرق الكلمة بين الإخوة؟

عبد الله أحمد آل نوح *

حين تشتعل الفتنة بصوتٍ خافت، فإن أول ما تُصيب هي القلوب القريبة… الأخوة، الذين جمعهم الدم وفرّقتهم كلمة قيلت بغير وجهها. ففي كل علاقة أخوية، هناك مساحة للخطأ، وسعة للاختلاف، وفرصة دائمة للتقارب… لكن الفتنة لا تأتي بهدير واضح، بل بصوتٍ هامس، في كلمة تُنقل دون تمحيص، أو موقف يُفسّر بغير سياقه، أو نية يُساء بها الظن. تبدأ صغيرة، لكنها لا تلبث أن تتضخم حين يُنقل السيئ ويُنسى الحسن، ويُروى الظاهر ويُطمس الباطن، فيتحوّل الرابط الذي جمع الإخوة إلى قطيعةٍ مؤلمة وصمتٍ ثقيل.

المؤلم في هذا النوع من الفتنة أنه لا ينشأ من خصومة حقيقية، بل من ضعف في التثبت، وغياب للحكمة، وقلّة في من ينقل الخير كما ينقل العتاب. فكم من بيت تفكّكت علاقاته لأن أحدهم نقل كلمة لم تُقال بهذا الشكل، أو اقتطع من الحديث ما يُثير دون أن يُكمل السياق، أو روى ما يُسيء وتجاهل ما يُحسِّن. وهنا يكون الخلل في ميزان العلاقة، حين تصبح الكلمة المنقولة أقوى من سنوات المحبة.

الفتنة بين الإخوة لا تحتاج إلى عدو، بل إلى ناقل لا يخاف الله، يُضخّم الأمور، ويُلبسها ظلالًا ليست لها، فينقل ويزيد، ويحرّك المشاعر نحو الغضب بدل التريّث، فيتغيّر القلب، وتبرد العلاقة، ويضيع ما بُني في سنوات بسبب سوء تقدير في لحظة. وقد حذّر النبي محمد ﷺ من هذا السلوك بقوله: ”بحسب امرئٍ من الشر أن يُحدّث بكل ما سمع“ لأن النشر غير الواعي للكلام - ولو بنية عادية - قد يزرع الشك ويفسد العلاقات.

وما يزيد الأمر سوءًا، أن كثيرًا من الإخوة يختارون الصمت بدل المواجهة، فيبتعدون دون تفسير، ويُغلقون أبواب التفاهم، فتتحوّل العلاقة إلى علاقة شكلية باردة، تخلو من الحب الحقيقي، ويحلّ محلها حذرٌ دائم، وظنون لا تنتهي. وقد نهى الله عن هذا كله في آية بليغة قال فيها:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: آية 6].

فلو أن كل واحد منّا تبيّن قبل أن يحكم، وسأل قبل أن يغضب، وبحث عن تفسير حسن بدل سوء الظن، لانطفأت كثير من نيران القطيعة قبل أن تُشعل.

الحكمة ليست في السكوت فقط، بل في المواجهة النبيلة، والكلمة الطيبة التي تُعيد الدفء للقلوب. وإن سمع أحدنا كلامًا يُنقل عن أخيه، فليُسائل من نقله: ”هل نقلت لي ما قاله من خير؟ هل حدثتني عن وقوفه بجانبي؟ أم أنك لا ترى منه إلا الزلات؟“ فإن كان الجواب لا، فليُغلق على الفتنة بابها.

وإننا إذ نتحدّث عن الفتنة، فليس لنجلد أحدًا، بل لنُذكّر أن روابط الدم لا تُرمى بهذه السهولة، وأن المحبة لا تُقاس بالمواقف العابرة، بل بثبات القلوب عند العثرة، وأن الأخ لا يُعوّض، وما يفسده الشيطان بلحظة قد لا تصلحه السنوات.

ولأننا بشر، نخطئ ونُخطأ، ونتكلم ونتأثر، فإننا أحوج ما نكون إلى رحابة القلب، وسعة الصدر، وإحياء الخلق الذي أوصانا به الله حين قال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: آية 83].

لا تجعل من فتنةٍ عابرة طريقًا للهجر الطويل، ولا تسمح لكلمة ناقلة أن تُطفئ نور مودةٍ بُنيت على سنين. وإن ضاق صدرك، فارفع الأمر لله، وقل: ”اللهم إن كان بيني وبين أخي ما يعكر صفونا، فطهّر قلوبنا، واجعل بيننا من الرحمة والمغفرة ما يُبقي روابطنا قوية برضاك.“

فليس العتاب هو ما يفسد الود، بل الغياب عن الفهم، والسكوت عن التوضيح، والتهاون في حفظ الروابط التي أمر الله بها أن تُصان. إن الأخ لا يُعوّض، وإن المشاعر التي تفسدها الظنون قد لا تعود كما كانت، فبادر قبل أن تُقفل الأبواب، وقل خيرًا، أو اسكت بحكمة، وكن ممن يرون في كل كلمة جسراً للوصل، لا سكينًا للقطيعة.

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال