آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

ذاكرة من الماضي

ورد عن أمير المؤمنين : لو اعتبرت بما أضعت من ماضي عمرك لحفظت ما بقي» «ميزان الحكمة ج 3 ص 1810».

الأخطاء التي نرتكبها وأوجه التقصير التي نقع فيها لا تعني نهاية الطريق واسوداده في أوجهنا، فالحياة والأيام مدرسة تعلم أصحاب العقول الراقية والنفوس اليقظة الدروس والعبر، فمواقف الآخرين وسلوكياتهم وكلماتهم قد تكون موضع ترحيب واهتمام واقتداء، أو قد تُسجّل في خانة الهفوات والتصرف الخاطئ الذي ينبغي الحذر من الوقوع فيه مستقبلا، كما أن النظر الذاتي في تصرفاتنا والتدقيق فيها يكشف لنا نقاط الضعف والغلط فيها، مما يدعونا للتمسك بطرف التصحيح والمعالجة والتقوّي وتحسين القدرات، فلا يمكننا القول بأن الفرص الضائعة وتلك الأوقات والجهود الفارغة قد تعود مجددا، ولكن يمكن تحويل محطات السقوط والأخطاء إلى فرص للتعلم والتصويب وتحسين المواقف، بالتخلي عن النقائص والمعايب والظهور بصورة جميلة تختلف عما كان عليه سابقا، وأهم ملامح ذلك التغيير هو الاستثمار الجدي للوقت والجهود مستقبلا في صورة مغايرة عما كان عليه في الماضي بكل تفاصيله الممزوجة بالتقصير والتهور المؤدي لارتكاب مسلسل الأخطاء، وهكذا يتحوّل الماضي إلى لوحة تعليمية تضم الدروس المختلفة لأحداث ومواقف ما كانت لتقع لو تحلّى أصحابها بالنباهة والهدوء وضبط النفس والمشاعر، والحاضر هو باكورة التغيير والتقدّم والتحسّن في تطوّر ملحوظ عن ماض اصطبغ بالأخطاء المتكررة، أما اليوم فهناك الدافع والرادع عن السقوط في هاوية الأخطاء ما دامت ماثلة أمام العينين تلك الدروس المستقاة من تقصيرات الفترة الماضية.

المهمة الوظيفية في الحياة تتعلق بما يحمله الفرد من إدراك لما هو مناط به على دكة التكريم والإنجاز والترقي، وهذا يعني تحويل الأعمار إلى محطات ومراحل وفق ما يحمله من أهداف يطمح في تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع، ومن جهة أخرى فإن عداد الزمن وتقادم الأيام عامل مهم في إدارة حياة الفرد نحو إثبات الوجود والعلياء أو التفريط بها وتكبّد الخسائر الفادحة، وهذا ما يبين الأهمية لعملية المراجعة للفترة الماضية من العمر وتفحّص المحطات التي أهدر فيها الفرص والأوقات وأضاع من بين يديه كنزا ثمينا وهو التعلم من الأخطاء السابقة وتصحيحها، فعملية تنمية المدركات العقلية وتحريك الفكر بين المجهولات وأوجه التقصير فسيكسبه ذلك وعيا ونضجا، فمجرد الندم والتحسّر على ما فات لا يعني بالضرورة تحصيل الفائدة المرجوة فقد يكون مجرد تفاعل وجداني عابر سرعان ما يتلاشى، أما استخلاص الدروس والعبر فهو المحرك التفاعلي مع الأحداث والموجه نحو تصحيح المسيرة وتجنب الأخطاء مستقبلا، فالتحسين الذاتي في الأداء لا يأتي من فراغ ويختلف تماما عن مجرد الندم السلبي واجترار الآلام والإخفاقات، فالفرد هو المسئول الأول عن أعماله وجودتها والأخطاء المرتكبة فيها، كما أن التأمل والتدبر في المرحلة الماضية بعناية يحفّز الفرد نحو اتخاذ الجدية والروح العملية في خطواته وقراراته بعيدا عن الاستهتار والتكاسل.