آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

النوادر الياسرية 2.. وكلاء الله في أرضه

ياسر بوصالح

قلت: عند استماعي لتلاوة المرحوم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد لسورة التكوير بهذا النفس الواحد، أشعر وكأن روحي تتحرر لتسبح في الفضاء اللامحدود، وكأن عيناي المثقلة بالدموع تنتظر لحظة الانهمار بلا قيود. إنه إحساس يتجاوز الكلمات، يملأ القلب بخشوع لا يوصف، ويأخذ النفس إلى آفاق من السكينة والتأمل العميق.

ردّ مقاطعًا بسخرية مبطنة: أليس هو ذلك الشخص الذي ظهر في صورة مشهورة يعزف على العود، ولم يتردد لحظة في التصريح بكل ثقة على تلفزيون الكويت عن عشقه لأغاني أم كلثوم! بل لم يكتفِ بوصفها كوكب الشرق، بل منحها امتدادًا كونيًا... كوكب الشرق والغرب أيضاً!"

قلت: ”وهل يُهمني إن كان قد عزف على العود أم على البطيخ؟! ما يعنيني هو الأفعال، لا تفاهة الانشغال بشخصنة الرجال!“

قال: أما سمعت الحديث الشهير عن النبي الأعظم ﷺ «رب تال القرآن والقرآن يلعنه»

قلت: وأنت، ألم تسمع الحديث الشهير عن الإمام الصادق : «حديثٌ تدريه خيرٌ من ألف حديثٍ ترويه»؟ أو الحديث الأخر عن الإمام علي - من وصيته لابنه الحسين «أي بني، لا تؤيس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره، صائر إلى النار، نعوذ بالله منها»! ألا تدرك أن الروايات لا تُؤخذ بسطحية، بل تُدرس بعمق، لمعرفة الخاص والعام، والمُحكَم والمُتشابِه؟ فلا يُلقَى الكلام على عواهنه دون تمحيص، بعيدًا عن سياقه ومقاصده! ثم، ما يدريك؟ لعل الشيخ عبدالباسط رحمه الله كان مشتبهًا في حكم العزف، أو ربما اتّبع مدرسةً فقهيةً تجيزه، أو لعل تلك كانت حالةً عابرة، وجاءت تلاوة القرآن الكريم لاحقًا في حياةٍ أخرى، أعمقَ وأصدق! هناك ألف تفسيرٍ وتفسير، لكي نحسن الظنّ به، ونترفّع عن الخوض في لحمه.

بل أزيدك، هناك من المعممين من أتباع مدرستك الفقهية، لهم قصائد خالدة في أهل البيت ، وصرحوا بكل جرأة في قناة عربية شهيرة أنهم يستمعون لأغاني فيروز. بل وأكثر من ذلك، كان هناك خطيب منبري شهير في وقته، له عشرات المؤلفات، وقصائد في رثاء الإمام الحسين ، وإحدى قصائده الطويلة لم يُخفِ في بدايتها شدة تعلقه بأم كلثوم.

لكنني لن أذكر أسماءً، لأن الغاية ليست شخصنة الرجال، بل النظر إلى أفعالهم ومعانيها، كما أسلفت. وكما أحسنّا الظن في المرحوم الشيخ عبدالباسط، نحسن الظن بغيره كذلك.

يا سيدي، فلنتوقف عن التصرف وكأننا «وكلاء الله في أرضه»، أو كأن مفاتيح الجنة والنار بأيدينا، بل ينبغي أن ننشغل بعيوبنا عن عيوب غيرنا. فقد ورد عن أمير المؤمنين قوله: ”إياك أن تكون على الناس طاعنًا ولنفسك مداهنًا، فتعظم عليك الحوبة، وتحرم المثوبة.“