فرانسيس البابا الذي خاطب قلوب الجميع
عندما تتجلّى شخصية دينية ما في ناظر من يتبعونها، ويكون لها تأثير بارز عليهم، فإنّ تلك الشخصية من المؤكّد أنّ لها صفاتٍ قابعة في نفوسهم، يحترمونها ويجلّونها، فينقادون لها طوع أمرها دون إكراه.
والأكثر من ذلك، عندما تتعدّى تجليات تلك الشخصية نفوس أناسٍ خارج الإطار الانتمائي المرتبطة به، فمن المؤكّد أنّ لها صفاتٍ إنسانية ودينية أكبر من المتوقّع في إطارها الخاص.
البابا فرانسيس، الذي رحل في هذه الأيام، لم يكن تأثيره الديني والأخلاقي مقتصرًا على أتباع الكنيسة الكاثوليكية، إنما تعدّى ذلك، وبرز ذكره وسموّ أخلاقه وتديّنه الخالص في نفوس جميع الطوائف الدينية، وكذلك السياسية.
فرانسيس ذهب بنظرته الدينية إلى البُعد الإنساني، وقد تجلّت تلك النظرة في سلوكه، ولم تكن من جانبٍ تنظيريّ فقط، إنما طُبّقت على الأرض، فانفتح على مختلف الطوائف وتحاور معها، معتبرًا ذلك هو الدين الحقيقي.
فجعل الزهد لباسه، ليعيش مع الناس، مبتعدًا عن زخرف الدنيا، فاستبدل اللباس الأحمر - الذي ينبئ من ينظر إليه أنّه لباس الجبابرة - ولبس الأبيض، الذي يتناسب مع جميع الناس، ويرمز للسلام بينهم.
بابا الفاتيكان لا ينظر إلى الناس من باب عبادتهم في داخل أماكن العبادة، إنما ينظر إلى ما يحملونه في نفوسهم من رحمات وقناعات، ينظر إليهم بما يتناسب مع الروح الإنسانية، فيعتبر عبادتهم شأنًا خاصًا بينهم وبين خالقهم، ويرى في سلوكهم الإنساني ما يحتاجونه ليتعايشوا فيما بينهم، ليعمّ السلام والوئام في حياتهم.
ولذلك، تعدّى كلّ الحواجز، وانفتح على طوائف دينية متعددة؛ فله ارتباط بالشيخ محمد العيسى، رئيس رابطة العالم الإسلامي، وكذلك له علاقة مع المرجع الديني الأعلى للطائفة الشيعية، السيد علي السيستاني.
هكذا هم علماء الدين الحقيقيّون؛ تتجلّى أمامهم الإنسانية التي خلقها الله، وجعل بين الناس مودّة ورحمة.
رحم الله البابا فرانسيس، فقد كان عالمًا زاهدًا، منفتحًا على مَن هم نظراء له في الخَلق، إخوةً له في الإنسانية.
لقد رأينا كيف تفاعل الناس مع رحيله، لما يحمل من صفاتٍ وأبعادٍ إنسانية قلّ لها نظير.
من يحمل تلك الصفات التي تحلّى بها البابا فرانسيس، يكون رسولًا بأخلاقه، وتجلياته الإنسانية، ويكون رسولًا بسلوكه الذي تلبّس به، وجعله زاده أينما حلّ به.