آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

عنعنات

محمد العلي * مجلة اليمامة

عن الحصين بن هبيرة، عن نهيل المخزومي، أنه قال بعد أن استعاذ وبسمل: كان بيت جدي ميناء للصعاليك من الشعراء، يلتقون فيه كل يوم جمعة، فسأل أحدهم أبا الشمقمق عن كيفية أكل العنب، هل يؤكل حبة حبة أم اثنتين اثنتين؟ ففاجأ سليم الباهلي الجميع بالسؤال: ما هو العنب؟ فكتم جدي بكاءه حزنا على هذا الذي لم ير العنب في حياته،

ولم يدر في خياله أن أكثر الجالسين لا يعرفون العنب. وقال لخادمه: هات سلة من العنب يا مبروك، فأحضر مبروك ذلك فورا، فنادى جدي سليما، وقال له: هذا هو العنب، فراح سليم يأكل أربعا أربعا، فكان هذا مسك المعرفة وسط قعقعة ضحكاتهم البلهاء.

تمتاز كلمة «البلاهة» بأنك لابد أن تقف عندها ضاحكا؛ لما تحمله من دلالة الازدراء للموصوف بها، حتى لو كنت لا تعرفه، فعن صاعد التغلبي عن أبيه عن جده أن الأشعث الفزاري كان يحتقر جاره؛ لأن الناس كانوا يصفونه بالأبله، دون أن يعرف ذلك بنفسه، فصادف أن رآه وجها لوجه في أحد الأيام، وبعد أن تبادلا التحية سأل الأشعث جاره، مضمرا اختبار عقليته: هل رأيت يا جاري غيمة لا ماء فيها؟ فأجابه: نعم، إنها كل سحابة تمر على بيتك، فكست حمرة الخجل وجه الأشعث.

وروى الحارث السكندري أن جاره الدكتور مصطفى رجب كان شاعرا ساخرا، يداوي بؤس فقره بالسخرية، وقد كتب هذه الأبيات في واحد من أصدقائه المتربين مثله:

«أراك خلي الجيب شيمتك الفقر
أما للغنى سعي لديك ولا ذكر
بلى «أنا مبسوط» وعندي فكة
ولكن دخلي لا يعاش به شهر
تطالبني باللحم وهي عليمة
بأن الذي يدنو لذاك له الويل»

على ذكر أبي فراس لابد من ذكر موقف سيف الدولة منه، فقد تركه في سجنه بدون مبالاة. والعجب من تلك الصفات الرنانة التي أسبغها عليه المتنبي، فهو جبان رعديد، فرّ بنفسه مذعورا، وترك عائلته لمصيرهم المجهول حين هاجمه الروم.

كان سعيد بن بطوطة الفزاري يدعي أنه مطلع على التاريخ، عيانا، من العصر الحجري حتى يومنا هذا، فتصدى له عكرمة المسعودي بالسؤال التالي: لماذا سمي العصر الحجري بهذا الاسم؟ فبهت الفزاري من السؤال، وتلفت يمينا وشمالا ولكنه لم ير ما يتشبث به.

كاتب وأديب