نظرة عطاء حانية
ورد عن الإمام الصادق : المن يهدم الصنيعة» «الكافي ج 4 ص 22».
ما أجمل تلك اللوحة التصويرية التي تظهرها المشاعر الإنسانية النبيلة التي تحنو على رأس المحتاج بلمسة ترسم على وجهه الفرحة والارتياح، تعيد لها ثقتها وطمأنينتها بوجود من يستشعر آلامهم ويهرع لنجدتهم وتخفيف وطأة العازة والحوج عنهم، ويرفع عنه حالة الحرمان والإحساس بالنقص والدونية لافتقادهم مستلزمات الحياة الكريمة، فليس هناك أشد ألما واعتصارا للنفس من الإحساس بظلمة الدنيا واسودادها في وجه الإنسان بسبب عدم قدرته على توفير لقمة العيش الحلال له ولأسرته، وما عاد له الأمل والطمأنينة إلا من خلال مظلة التكاتف والتكافل والتعاون التي تمدها أيدي العطاء والقلوب البيضاء لتلامس النفوس المتعبة.
والعطاء المادي يتضمن مشاعر الصدق والمحبة والتقدير لحالة المحتاج، فحالة الحرمان الضاربة بجذورها في نفس المحتاج لا يخفف منها إلا رؤيته ملامح الاحترام واختفاء معالم المن والتعيير، فالمحتاج - مهما كانت الظروف وقدر حاجته - لا يمكنه السماح بالمساس بكرامته أو توجيه أي تلميح أو تصريح يظهر التفضل عليه، فصنيعة المعروف والعطاء رسالة إنسانية تظهر للضعفاء ماديا بأن هناك قلوبا تستشعر آلامهم وتشاطرهم تلك الهموم وتساندهم بما ينتشلهم في فم الفقر المفترس، وأما المن وإظهار التفضل بل والحديث عنه بإسهاب أمام الآخرين يناقض الهدف الأساسي للعطاء ويكسر تلك النفوس أكثر من ذي قبل، فالتفضّل على المحتاج وتسليط الأضواء على الإنفاق عليه يسيء للعلاقات المجتمعية ويضربها بالاضطراب ويحيي الكراهيات والأحقاد، بينما وضع العطاء في مساره الأخلاقي والاجتماعي والإنساني يعني التحرك لمساعدة المحتاجين بما يطيب نفوسهم، لا أن يكسر خواطرهم بما يصرح بالمن والتفضل عليهم وبثه وإخبار الآخرين به، فالشعور بالسعادة والراحة النفسية بمساعدة الآخرين إحساس نبيل فلنحافظ عليه من خدش نفس المحتاج بكلمة أو موقف.
تسليط الأضواء على العطاء يعني معاناة هذا الشخص من الشعور بالنقص، والحاجة إلى إبراز مكانة اجتماعية متقدمة من خلال هذا التفضل على المحتاج وثناء الآخرين على موقفه وتعاطفهم مع نبل أخلاقه الزائف، كما أنه يكشف عن شخصية مخادعة تفتقد للصدق واحترام مشاعر الآخرين، وانتهازية تتحرك لتحقيق مآربه النفعية ولو كان ذلك على حساب الآخرين واستغلال حاجتهم، كما أن النفس المتكبرة تتعامل باستعلاء وشعور بالعظمة والمن على المحتاج لون من ألوان هذا الخلق السيء.
تقديم المعروف والمساعدة للآخرين جوهره بلسمة مشاعر المحتاجين وتطييب نفوسهم وإرسال رسائل إيجابية لهم بأنهم موضع احترام وتقدير ومحبة، وهذا المحيط المجتمعي يتعاطف مع حرمانهم المادي ويمد لهم يد المساندة بغير منّ عليهم، بل هو تحرك إنساني نبيل يصدر من أصحاب النفوس النقية التي لا تحمل أهدافا خفية بالإبراز الاجتماعي على حساب معاناة الغير، فبناء العلاقات بين أفراد المجتمع القائمة على الثقة والتعاون والإحسان يعززها العمل الخيري المتصف بالإخلاص وعدم البحث عن الشهرة.