آخر تحديث: 28 / 4 / 2025م - 2:27 م

غَيضٌ من فيض الرؤية: مليون وظيفة للسعوديين ونصف تريليون ريال للاقتصاد

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

حوى التقرير الثامن لرؤية المملكة 2030 رصدا معمقا شفافا لجهد تنفيذ الرؤية ولنتائج ذلك الجهد. وبعيدا عن التناول التفصيلي، نأخذ بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي تضيء على نتائج الجهد وليس الجهد بحد ذاته؛ منذ انطلاق الرؤية في العام 2016 حتى نهاية العام 2024:

- نما الناتج المحلي الاجمالي (بالأسعار الثابتة) 15% بنصف تريليون ريال.

- نما الاستهلاك الخاص 33% حوالي 590 مليار ريال.

- نما الاستثمار (الحكومي والخاص) 41%، تقريبا 260 مليار ريال.

- خلق الاقتصاد مليوني وظيفة، كان نصيب المواطنين منها النصف (مليون وظيفة)؛ حيث بلغ في العام 2024 عدد المشتغلين السعوديين 4,10 مليون مواطن ومواطنة، فيما كان عددهم 3,06 مليون في العام 2016، بزيادة متوسطها 130 ألف وظيفة سنويا.

- كان في العام 2016 عدد السعوديات المشتغلات حوالي مليون من إجمالي 1,3 مليون امرأة عاملة (ما يمثل 77 %)، أما في نهاية العام 2024، فقد ارتفع عدد السعوديات على رأس العمل إلى حوالي 1,7 مليون من إجمالي 2,2 مليون (كذلك يمثل 77 %).

- كان في العام 2016 عدد السعوديين الذكور المشتغلين حوالي مليونين من إجمالي ذكور مشتغلين مسجلين عددهم 10,4 مليون (19,2 %). أما في نهاية العام 2024، فقد ارتفع عدد السعوديين الذكور على رأس العمل إلى حوالي 2,4 مليون من إجمالي الذكور المشتغلين وعددهم 11,5 (21 %).

- ارتفعت نسبة مساهمة المواطنين في شغل الوظائف من 26,7 % في العام 2016 إلى 30,2 % في العام 2024.

- ارفع معدل مشاركة السعوديين في سوق العمل من 41,9 % في نهاية العام 2016 إلى 51,1 %، بزيادة قدرها 9,2 %، أي ما يزيد عن أربعة أضعاف الزيادة في متوسط معدل المشاركة لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، الذي بلغ 73,8 % في العام 2024 مقابل 66,4 % للمملكة (جملة مواطنين ووافدين).

وتجنبا للسرد والاستطراد، فواقع الحال أن انجازات الرؤية متعددة الجوانب بتعدد مستهدفاتها التي لا تقتصر على الاقتصاد، كما أن مستويات المستهدفات تتصاعد مع توالي الإنجازات فعندما يتحقق مستهدف يفتح آفاقا لطموح أكثر جسارة. لنتناول بعضا من تلك الجوانب: فمن منظور الخدمة العامة هي برنامج تحول عميق في الأداء الحكومي وفي منهجية العمل كفريق ينفذ ما تم الاتفاق عليه بروح تسابق الزمن، ومن منظور خلق الوظائف هي تمكين القدرات البشرية وتعزيز الاستفادة من الموارد البشرية المواطنة برفع مشاركة المرأة إلى 40% وخفض البطالة إلى 7%، ومن منظور ثالث منظور هي تجويد وإثراء لتجربة ضيوف الرحمن في الحج والعمرة والزيارة، ومن منظور رابع هي ترحيب بعقل وقلب بالعالم بعلمائه ومستثمريه ورواده وسائحيه ومثقفيه ومبدعيه، ومن جانب خامس هي شفافية وشمول، تتضحا فعلا لا قولا، فمع كل تقرير سنوي يتسع مستوى الشفافية في عرض انجازات رؤية السعودية 2030، بما يعكس تحديا للذات لتحسين الأداء باستمرار بهدف تسريع وتيرة التنفيذ بالتركيز الصارم على تحقيق المستهدفات مع أو قبل الموعد المحدد (2030).

وبالقطع فالرؤية ليست مستهدفات، بل تنفيذ لتلك المستهدفات، وهذا ما تعرضه ”جردة الحساب“ كل عام، لبيان ما أخذت تحدثه الرؤية من تحول متئد ومتصاعد على مستويات عديدة؛ حكوميا واجتماعيا وقطاع خاص، بالسعي حثيثا لرفع كفاءة عمل الحكومة لبناء اقتصاد متوازن ومتنوع قادر على الارتقاء المستمر باستدامة نموه، وتعزيز قدرته على التكييف لاستيعاب الهزات عبر تقوية التحصينات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية - بالمفهوم الواسع والتفصيلي للأمن من أمن سبراني وغذائي وصحي ومالي إلى الأمن القائم على حماية المجتمع ومكتسباته وقيمه ولحمته الوطنية (كما شاهدنا في التعامل مع كوفيد، على سبيل المثال لا الحصر).

ولا يمكن تجاوز أن ثمة مستهدفات تمس حياة كل منا أنجزت قبل موعدها، ويجري العمل حثيثا على ترقيتها طلبا لمزيد من المتانة الاجتماعية - الاقتصادية، ويبرز هنا تحقيق مستهدف خفض البطالة إلى 7 بالمائة قبل موعد 2030، وهو واحد من 24 مستهدفا تجاوزت أو حققت المطلوب مرحليا، منها:

- نسبة تملك الأسر السعودية لوحدة سكنية (65,5% وكان المستهدف 64% في العام 2030)،

- نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل (36% المستهدف 30% في 2030 وتمت ترقيته إلى 40%)،

- نسبة بطالة السعوديين (7% وهو مستهدف 2030 وقد يرقى المستهدف إلى 5%)،

-16,9 معتمر والمستهدف المرحلي 11,3 مليون،

- مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي (47% المستهدف المرحلي 46%)،

- نسبة توطين القطاعات العسكرية،

- نسبة الملتحقين بسوق العمل من خريجي الجامعات خلال 6 أشهر من التخرج،

- مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الاجمالي،

- نسبة الاستثمار الأجنبي من الناتج المحلي الاجمالي.

571 شركة عالمية تنقل مقراتها الاقليمية إلى السعودية (المستهدف 500 للعام 2030).

وليس من شك أن ”مسرح عمليات الرؤية“ غير خال من التحديات ولم يكن قط، لكن الرؤية تمكنت من تجاوز مخاوف ودفنت تخرصات عبر إحداث تغييرات عميقة وجوهرية وملموسة على أرض الواقع كان من الصعب تصور تحققها، فلا زلت أذكر مقابلة أجرتها إحدى القنوات الاقتصادية العالمية مع أحد مسئولي صندوق النقد الدولي على هامش أحد المؤتمرات في الرياض في العام 2017، حينما أخذ المذيع يطرح أسئلة توجسية في أغليها، فيما المسئول يجيب بأن طموحات الرؤية عالية ولذا فمن المبكر الحكم عليها، إذ أن تنفيذها يتطلب وقتا، وفي لقاء قريب مع العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي د. كريستالينا جورجيفا بينت أن الرؤية السعودية هي بمثابة نقطة ضوء ساطعة ليس للمملكة فحسب بل لمنطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن الرؤية حالة عملية تبين كيف بوسع الدول صنع تحول جوهري لتنويع اقتصاداتها وللنمو. وفي حيثيات تحديث وكالات التصنيف الائتماني العالمية الثلاث ”ستاندرد & بورز“ (A+نظرة إيجابية) و”موديز“ (Aa3 نظرة مستقرة) و”فيتش“ (A+نظرة مستقرة) للتصنيف السيادي للسعودي أشارت إلى تحسن في التصنيف ارتكز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقتها رؤية 2030، التي أدت إلى: (1) تعزيز نمو القطاع غير النفطي، (2) زيادة الإيرادات غير النفطية للخزانة العامة، (3) ودعمت المرونة الاقتصادية والقدرة على التكييف.

وختاما لابد من الاستدراك، وبعيدا عن المستهدفات التفصيلية على أهميتها، بالقول بأن ما حققته الرؤية حتى الآن بدد مخاوف وشكوك وقلبها رأسا على عقب، إلى مزيد من الثقة محليا واقليميا وعالميا؛ فلم يكن خيارا الاستمرار في الاعتماد على النفط، فذلك خطرا داهما في حال انخفاض الأسعار، كما حدث مرارا، في العام 2015 وقبل ذلك في الثمانينيات الميلادية وما بينهما. ولذا جلبت الرؤية إنجازا من الوزن الثقيل هو التركيز على الاستدامة المالية (والبيئية كذلك)، ونجحت في إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي من خلال تنويعه وتمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة والريادية وإيجاد محركات استثمارية وتمويلية حكومية ضخمة، أبرزها صندوق الاستثمارات العامة (الذي أسس 93 شركة لتنشيط القطاعات الاقتصادية على تنوعها بما في ذلك 48 شركة جديدة لتنمية الأنشطة الاقتصادية الضامرة أو الغائبة) وصندوق التنمية الوطني (الذي ينضوي تحت مظلته 12 صندوقا متخصصا بما في ذلك صندوقا للبنية التحتية).

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى