حذف الفكرة
كم من المواقف وخيبات الأمل يمرّ بها الإنسان فيتكدّر صفو عيشه ولا تغفو له عين إلا بعد جهد جهيد.. أما مُصاب الفقد فلا حول لنا ولا قوّة فيه، فكلّما دقّت أجراس الألم قابلناها بالصبر على الأوجاع، وامتلأت قلوبنا رجاء لله تعالى بالرحمة والمغفرة والرضوان في دار السلام.
هكذا قابلت أمل الأفكار التي عصفت برأسها عندما فقدتْ أختها، وحادثتْ نفسها وهزّتها من أعماقها قائلة:
لو كانت أختي بجواري لأعطتني درسا في الصبر على الابتلاء هذا هو ديدنها في حاضرها معي.
لكنني أعرف أنّها غادرت بعد أن اختارها الله تعالى، وخلّدت الأحزان في طريقنا.
ما أقسى ساعات الفراق!
فهي لا تدع سهما من سِهام الوجع في جعبتها إلّا رمتنا به.
آه يا أختاه!! أنا أمل وليس لي نصيب من اسمي بعد موت أختي.
لكنني عندما أتذكرها أحذف فكرة موتها.
أتعرفون لماذا؟
إنّها بجانبي.
لأنني عندما أشعر بشوق أدفن نفسي بين تراب قبرها، أشعر بمعين عذب يدخل أعماقي، يغسل أحزاني، يخرجني من ألواني السوداء.
قد يكون تعلّقي بالصلاة في كل وقت وفي كلّ مكان خير معين لي لأنني أراها وأنا ساجدة شكرا لله تعالى على ابتلاء الفقد.
لا غاية لي أن أدخل معكم في سطور كثيرة أشرح فيها الغصص والأحزان هنا غير أنني أحاول كما ذكرت مسبقا حذف فكرة أن أختي ماتت واستبدالها بفكرة أنّنا سوف نلتقي ولا بد من ذلك اللقاء؛ قد يكون في عالم الرؤيا أو في عالم البرزخ أو في عوالم أخرى لا حصر لها ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
ولو اقتضاني شوقي لأختي أن أبكي بحرقة لفعلتُ ظنا منّي بأنها سوف تعود ولكنني أعلم أنّ الله تعالى لم يضعْ أجرا وثوابا للعويل والبكاء وإنما وعد بأن يوفّي الصابر أجره دون حساب.
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: آية 10].
وما دامت أختي دخلت في رحمة الله تعالى فهي بخير وسلام، يكفينا تعاليل وتحاليل ما دام في الموت حياة جديدة لا نعرف دقائق تفاصيلها غير أننا نشهد لأمواتنا بالتّقوى والصلاح ونُزكّي أخلاقهم الطيبة ثمّ نقول: هنيئا لهم بجوار ربهم.
إنّ فكرة الموت متناثرة هنا وهناك تمرّ رياحها على الصّغير والكبير، على الرضيع والشاب، على المرأة والرجل، وربّ فنّان مُحنّك استطاع أن يفتح حقيبته المُعدّة للرحيل ويضع فيها احتياجاته، وكلّما مرّ على ذاكرته شيء ما وتذكّر أمرًا هامّا وضعه فيها، فنحن لا نعلم متى موعد وصولنا لقاعة المغادرة ولا حتى موعد الرحلة!
خِتام حديثي...
إنّ الإذعان لأمر الله تعالى لبّ حياتنا وهو أمرٌ منوط بالإيمان الخالص لله تعالى، ومهما حاولتُ أن ألجَ في تفاصيل قدرة الله تعالى على إمداده تعالى لعباده المكلومين بالصبر والسلوان ونسيان الألم فسوف يجف مدادي.
نسأل الله السلامة لنا وللجميع في الدنيا والآخرة، وأن يمنّ علينا بحسن الختام