اختبارات القدرات والتحصيلي تحت المجهر.. الخلل في التعليم أم الطالب؟.. خبراء يوضحون

يتجدد الجدل حول اختباري ”القدرات“ و”التحصيلي“ في المملكة العربية السعودية، وسط تساؤلات تربوية ومجتمعية عن مدى تعبير هذين الاختبارين عن المستوى الحقيقي للطالب، ودورهما في ترسيخ العدالة التعليمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
وبين مؤيد يراها وسيلة دقيقة للتقييم، ومعارض ينتقد فجوة التطبيق والاستعداد، استعرض عدد من الخبراء التربويين والنفسيين آراءهم حول هذه الاختبارات في حوارات متعمقة، مشيرين إلى مكامن القوة والخلل في المنظومة التعليمية.
المستشار التربوي والتعليمي عبداللطيف الحمادي أكد أن اختباري القدرات والتحصيلي يعكسان بصورة حقيقية مستوى الطالب، مشيراً إلى أنه لا يمكن تطوير التعليم أو تقييم المدارس والمعلمين بدون وجود أدوات قياس دقيقة. وأوضح أن المدرسة والمعلم مطالبان بتدريب الطلاب على المهارات الأساسية لكل مادة، لأن ذلك هو المدخل لتحسين نتائج الطلاب في هذه الاختبارات.
وقال الحمادي إن المعارضين لهذه الاختبارات يتجاهلون أهمية وجود مرجع تقويمي يمكن من خلاله قياس مستوى الطالب والمدرسة ومقارنتها محلياً وعالمياً، مبيناً أن من ضمن الخطط التي تنفذها وزارة التعليم حالياً هو تدريب المعلمين بعد تخرجهم ولمدة عام كامل، وذلك لمعالجة الضعف الذي أظهرته نتائج الطلاب خلال السنوات الماضية.
وأضاف: ”الوزارة أطلقت اختبارات وطنية مثل“ نافس ”إلى جانب التحصيلي والقدرات، بهدف تشخيص واقع الأداء التعليمي ووضع خطط لتحسينه“، مشيراً إلى أن هذه الاختبارات ضرورية لمعرفة مواضع الخلل ورسم مسارات التطوير.
ومن جهته، شدد خبير الإرشاد النفسي والأسري الدكتور عبدالرحمن العازمي على أهمية الاستعداد النفسي والمعرفي المبكر لاختبارات القدرات والتحصيلي، واصفاً إياها بأنها واقع مفروض وتحدٍّ يجب تجاوزه.
وأشار العازمي إلى أن أول استراتيجية لمواجهة هذه الاختبارات هي الاستعداد المنهجي على مدار السنوات الدراسية وليس فقط قبيل موعد الاختبار، مبيناً أن ”الطالب مطالب باستيعاب وفهم ما تعلمه خلال ثلاث سنوات ماضية، مما يحفّز على التعلم الحقيقي وليس المؤقت“.
وانتقد العازمي غياب منهج محدد لاختبار القدرات، قائلاً: ”كيف أطالب الطالب بأداء اختبار في محتوى لم يتعلمه أصلاً؟ من سيُعدّه لذلك؟“، مشيراً إلى أهمية مواءمة أساليب التعلم مع أنماط الطلاب ”بصري، سمعي، اجتماعي، إلخ“ لتجنب الإخفاق المتكرر.
وأضاف أن الاعتماد على ”التجميعات“ المنشورة في مواقع الإنترنت يشتت تركيز الطالب، داعياً إلى التركيز على المنهج المدرسي الأصلي. كما أشار إلى أن دمج التخصصات في المرحلة الثانوية أضر بالطلاب أصحاب الميول النظرية، ما أثّر في أدائهم، مؤكداً أن الظروف النفسية والصحية قد تعوق أداء طلاب مميزين، مما يؤدي إلى حرمانهم من القبول الجامعي.
وكيل وزارة التعليم المساعد للبحوث التربوية سابقاً الدكتور علي الخبتي، ألقى باللوم على الفصل الدراسي والمعلمين، مؤكداً أن ارتفاع درجات الطالب داخل المدرسة مقابل تدني درجته في اختبارات القدرات يشير بوضوح إلى خلل في عملية التعليم داخل الصف.
وقال الخبتي: ”لا علاقة للأجواء المحيطة بيوم الاختبار، بل المسألة تراكمية تبدأ من الصف الأول الثانوي إلى الثالث“، مشدداً على أن التعليم يجب أن يزوّد الطالب بمهارات التفكير والابتكار والمهارات الحياتية المرتبطة بسوق العمل.
وأضاف: ”نفتقد في اختبار القدرات إلى قياس المهارات الأدائية، وهو أمر جوهري يجب الانتباه له، فالتعليم ليس فقط في المهارات اللفظية والعددية، بل يشمل أيضاً مهارات حل المشكلات والإبداع“، منتقداً اعتماد المعلمين على تحديد أجزاء من المنهج وغياب الشمولية في التدريس.
وحذّر الخبتي من التضخيم المتعمد لدرجات الطلاب داخل المدرسة، مشيراً إلى أنه ”لا يوجد ارتباط بين درجات المدرسة ونتائج التحصيلي“، مؤكداً أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تدريب المعلم على تدريس المنهج كاملاً، والابتعاد عن ثقافة ”حدد لنا“ و”لخص لنا“، داعياً إلى رفع كفاءة المعلمين بأساليب حديثة تدعم تمكين القدرات البشرية بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وختم العازمي بملاحظة مهمة حول غياب دراسة شمولية لوضع التعليم في مختلف مناطق المملكة، قائلاً إن الطالب في الرياض مثلاً قد لا يتأثر بآليات الاختبار نتيجة جاهزية البيئة التعليمية والمعلم، بينما يواجه طلاب المناطق النائية عقبات حقيقية تحول دون اجتيازهم لهذه الاختبارات، رغم إمكاناتهم العالية.
وما بين دعوات للاستعداد النفسي والمنهجي، وأصوات تحذر من خلل داخل المدارس، تكشف الآراء المتباينة لهؤلاء الخبراء أن اختبارات القدرات والتحصيلي لا يمكن فصلها عن البيئة التعليمية الكاملة. فالطالب الجيد قد يسقط في الاختبار إذا افتقد للظروف المناسبة، والمدرسة المتفوقة قد تُقيَّم من خلال درجات تحصيلية لا تعكس الواقع إذا كانت المنظومة التعليمية تفتقد إلى الشمولية والمصداقية في التدريس والتقييم. وهو ما يدفع إلى إعادة التفكير في فلسفة التقييم والتعليم معاً، لاختبار ما إذا كانت المشكلة في الاختبار... أم فيما قبله.