آخر تحديث: 10 / 6 / 2025م - 2:47 ص

تخيلات إبليسية

ورد عن أمير المؤمنين : من كثر فكره في المعاصي دعته إليها» «غرر الحكم: 623».

عند البحث عن العوامل المؤدية إلى نتيجة مفادها ارتكاب الخطيئة والسلوكيات السلبية، يجري فحص مدخليتها وتأثيرها في الوصول إلى هذا المنزلق لتجنب السقوط فيه مستقبلا، وتتعدد العوامل بحسب جهة الغريزة والشهوة المؤدية إلى تجاوز منظومة القيم الأخلاقية والتربوية، ولكن هناك عوامل مشتركة تجدها في كل مخالفة وفعل قبيح يمكن أن يرتكبه الإنسان، ومن أهم تلك العوامل التي ينبغي تسليط الضوء عليها والانتباه من أثرها التدميري هو البعد التفكيري وتأليف الصور في الذهن، إذ أن تلك المغريات والعوامل الخارجية مفتاح تأثيرها هو وجود استجابة في الذهن وصور تسوّغ ارتكاب المعصية والاستجابة لهتاف الأهواء والشهوات، وبضدها تُعرف الأشياء كما يقال فيمكن معرفة تأثير صوت الخير والصلاح الذي يصدح في بيئة الإنسان ومدى تأثير وجود حالة الاحترام للوالدين وتهذيب اللسان من الكلمات القبيحة، فبلا شك أن التخيل الصوري لفعل المعصية وتهييج وتأجيج المشاعر والغرائز لا يطفأ لهيبه إلا بتغلغل فعلها في النفس والتوق لمعاينتها يوما ما، كما أن البيئة المحيطة به كالأصدقاء ممن يوغرون نفسه بارتكاب الخطيئة واستسهال فعلها وتغييب تأنيب الضمير عنده، من خلال تحقير واستصغار المخالفة أو تصوير الحياة وكأنها محطة إشباع الغرائز بلا حد ولو كان بالتطاول على الآخرين في ممتلكاتهم أو خصوصياتهم مثلا، فالتأثير على طريقة التفكير واستحصال الصور الذهنية قد يكون إيجابيا من خلال التحفيز والتشجيع على فعل الخير والتزام الأخلاق الرفيعة، أو يكون سلبيا يؤجج المشاعر والغرائز ويحركها نحو الإشباع بأي نحو كان وبأي صورة دون مراعاة لمنظومة القيم، فالانغماس في الشهوات والاستجابة العمياء لفعل الخطيئة لا تتحقق دفعة واحدة بل هي عملية تدريجية تبتدئ من سكون الصور الشيطانية الذهن وامتداد تأثيرها على الجوارح وبروزها على شكل سلوكيات وتصرفات غير مقبولة، فبذرة التخيلات المحرمة تنبت في العقل غير المانع لوجود صورها وتترعرع بمرور الوقت وتستحكم جذورها حتى تصبح أفعالا مستمرة لا يتوقف عن اقترافها، فاتخاذ خطوة وقرار بتجاوز خطوط القيم والذي يؤدي ارتكابها إلى انتكاسة الفرد وترديه في وحل الرذائل والنقائص، نتيجة طبيعية لكثرة التفكير في دائرة المخالفات وإشغال العقل بمشاهدة مباشرة أو تخيلية لتلك الممارسات المقيتة، فالإنسان لا يتحرك في منطقة الفراغ وانعدام المؤثرات والمحفزات، بل سعيه ينتهي أخيرا بسلوك معين قد سكن في عقله وتداوله مع نفسه وانتقاله من المرحلة النظرية إلى مرحلة التنفيذ على أرض الواقع.

والتخيلات المحرمة المسقطة للفرد في وحل الشهوات المتفلتة قد يكون مرده إلى تصرفات فردية بسبب إشغال الفكر بنحو سلبي، وقد يكون مرده إلى البيئة المحيطة التي تروّج وتزين التصرفات غير المقبولة، فمداخل الشيطان الرجيم وأهواء النفس الأمارة بالسوء تنشئ استعدادا نفسيا وتحفيزا نحو المنطقة المحرمة، والحصانة النفسية وقوة الضمير الواعي تبدأ من مرحلة طرد التخيلات الشيطانية وتجنب تلك الموارد والسبل المؤدية لها.