متى نتغير؟
يتطلع بنو البشر منذ أن خلقهم الله تعالى، باختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم، إلى التغيير في نمط حياتهم وكافة شؤونهم. وإن معالم هذا التغيير والإصلاح لا تتحقق إلا بجهد كبير ومثابرة عظيمة، تتطلب تحمُّل الصعاب، والشعور بالمسؤولية، والموقف الثابت القوي، وعلى امتداد المكان والزمان.
إن ظاهرة التبلّد والتقاعس والهروب من الأزمات الصعبة التي تواجه الحياة، تنبعث عنها تراكمات تبعد المجتمعات عن مقاصد التغيير الصحيح والهادف، وتؤدي إلى طرق مسدودة جميعها تنتهي بالفشل. ومن هنا، نجد الإنسان ضحية لما ارتضاه لذاته، فيكون - للأسف - سَئِمًا من واقع حياته، غير مستقر، ولا منسجمًا مع من حوله، جالبًا لنفسه الضرر والأزمات والمحن.
إن الله عز وجل جعل للإنسان كرامة، بعد أن خلقه وفضّله على بقية المخلوقات. وقد طوّع الله سبحانه ما حول الإنسان من طبيعة وكائنات لتكون مسخرة في سبيل خدمته واستقرار أموره، وتكون نواة خصبة في صلاحه وإصلاحه. فإن أحسن الإنسان سلوكه، وقوّم حياته، وأصلح سريرته، فإن الله بلطفه وكرمه سيمدّه بالعون والتأييد على تغيير نمط حياته وكل ما حوله. وإن الآيات القرآنية الكريمة تكشف لنا - نحن المسلمين - وللبشرية جمعاء عن ذلك البُعد، في قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: آية 11].
إن الوعي عاملٌ هامٌّ في عملية التغيير، وتختلف الوسائل والمتطلبات بحسب حجم الإمكانيات وطبيعة التفكير. وإن سوء الفهم، والجهل، وكثرة القلق، يُولِّدُ الخوف، ويُقَلِّلُ العزم. ومن الأسباب الرئيسة في تأخر الإقدام على التغيير لدى الإنسان - أو حتى رفضه - ضعف التواصل الاجتماعي والثقافي مع الناس المؤهلين. وهذا التواصل من الخطوات الفعالة والداعمة للتغيير، لما فيه من مهارات وخبرات طويلة وخطط عقلانية واضحة ونتائج مفهومة للجميع، إلى جانب القدرة على التصدّي لأي عائق يكون مانعًا لذلك التغيير الصحيح والمنشود، وبالطرق النظامية المشروعة.
وقبل الختام، إن التوكل على الله أولًا، ثم القناعة، يُوفّران العزيمة والإرادة المستدامتين، وتُساعداننا على تجاوز الصعوبات. فالعقل ينضج، والحقائق تتضح، ونظرتنا إلى التغيير النافع تزداد قوة وصلابة، وتُصبح عشقًا وإيمانًا راسخًا في القلوب. نرتقي بأنفسنا، ومجتمعاتنا، وأوطاننا، وبأمتنا - فلماذا لا نتغير إلى الأفضل؟