آخر تحديث: 11 / 6 / 2025م - 4:07 ص

المسؤولية والالتزام الأخلاقي: ركيزتان أساسيتان في بناء الإنسان والمجتمع

ناجي وهب الفرج *

تُعدُّ القيم الأخلاقية حجر الأساس في بناء شخصية الإنسان والمجتمعات المتحضرة. ومن أبرز هذه القيم هو حسّ المسؤولية والالتزام الأخلاقي اللذان يُعدّان عاملين جوهريين يسهمان في تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، ويقودان إلى علاقات إنسانية قائمة على الاحترام والثقة والتعاون.

أما الالتزام الأخلاقي، فهو التمسّك بالقيم والمبادئ التي تحكم سلوك الإنسان وتُحدّد ما هو صواب وما هو خطأ. يشمل ذلك الصدق، الأمانة، النزاهة، العدل، الرحمة، والاحترام. لا ينبع هذا الالتزام من قوانين خارجية بقدر ما هو تعبير ينبع من وعي داخلي وعن ضمير حيّ يوجّه الإنسان نحو الخير ويبعده عن الأذى.

ومما يؤصل لهذا البناء الأخلاقي القويم ما ورد في قوله جلَّ شأنه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة: آية 105].

وقد أكد النبي الأكرم محمد ﷺ على هذا المعنى حين دعا إلى وجوب تأدية العمل وإتقانه بقوله: ”إنَّ الله تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ“ رواه البيهقي في شعب الإيمان، حديث رقم 4929.

وبذلك لا يمكن فصل المسؤولية عن الأخلاق، فكلٍّ منهما يُكمّل الآخر. فالشخص الذي يمتلك حسًّا عاليًا بالمسؤولية سيسعى حتمًا إلى التصرّف وفقًا للمعايير الأخلاقية، لأنه يُدرك أن قراراته تؤثر على الآخرين. وكذلك فإن الالتزام الأخلاقي يدعم تحمّل المسؤوليات بروح العدالة والصدق. فعلى سبيل المثال، القائد الأخلاقي يكون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات عادلة ومسؤولة تؤثّر إيجابًا على مَن حوله، وكذلك كالموظف الذي يرفض الرشوة أو المواطن الذي يحرص ويحافظ على الممتلكات العامة.

يُسهم التمسّك بهاتين القيمتين في تحقيق استقرار المجتمع وتقدّمه. فالأفراد الذين يشعرون بالمسؤولية يُشاركون في تنمية مجتمعاتهم، ويحافظون على الممتلكات العامة، ويلتزمون بالقوانين. كما أن الالتزام الأخلاقي يحدّ من الفساد، ويعزز الثقة المتبادلة، ويجعل العلاقات بين الناس أكثر إنسانية واحترامًا. وبدون هذه القيم، تسود الفوضى، وتنهار الروابط الاجتماعية، ويُصبح النجاح محصورًا بالمصلحة الفردية فقط.

تقع على عاتق الأسرة والمدرسة مسؤولية كبرى في غرس هذه القيم منذ الصغر. فالطفل الذي ينشأ في بيئة تحفّزه على تحمّل المسؤولية وتكافئ السلوك الأخلاقي، سيتحوّل إلى فرد ناضج قادر على التفاعل بشكل إيجابي مع المجتمع. كما تلعب القدوة دوراً محورياً، إذ يتعلّم الأبناء من أفعال الكبار أكثر مما يتعلّمون من أقوالهم.

يبقى حِسُّ المسؤولية والالتزام الأخلاقي من أبرز الدعائم التي يُبنى عليها الإنسان السويّ والمجتمع الراقي. فهما ليسا مجرد شعارات تُتلى، بل سلوكيات يومية تنعكسُ في كلِّ تصرّف صغير أو كبير. فلنحرص على غرس هاتين القيمتين وتعزيزهما في حياتنا، لنصنع مجتمعًا أكثر عدلاً وازدهارًا وتعاونًا وإنسانية.

فبقدر ما نغرس في أنفسنا وأبنائنا هاتين القيمتين، نقترب أكثر من تحقيق مجتمعات مزدهرة متماسكة.

المصادر:

1- القرآن الكريم.

2- شعب الإيمان للبيهقي حديث رقم 4929.
نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية