آخر تحديث: 10 / 6 / 2025م - 2:47 ص

التحديات الاجتماعية في عصر التقنية

الدكتورة لولوه البورشيد *

يعيش العالم اليوم في عصر التقنية الذي غيّر ملامح الحياة بشكل جذري. فقد أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، من التواصل إلى العمل، ومن التعليم إلى الترفيه. ومع هذا التقدم الهائل، برزت تحديات اجتماعية جديدة تستدعي التفكير والتأمل لفهم تأثيراتها وكيفية التعامل معها.

على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت العالم قرية صغيرة، إلا أنها ساهمت في زيادة الشعور بالعزلة لدى البعض. فالتواصل الافتراضي، رغم سهولته، يفتقر إلى العمق العاطفي الذي يوفره التفاعل المباشر. يقضي الكثيرون ساعات طويلة أمام الشاشات، مما يقلل من التفاعلات الواقعية، ويؤدي إلى شعور بالوحدة حتى في ظل وجود مئات ”الأصدقاء“ الافتراضيين. هذا التحدي يتطلب إيجاد توازن بين الاستخدام الرقمي والتفاعل البشري الحقيقي.

أصبحت الأجهزة الذكية ”ضيفاً دائماً“ في البيوت، مما أثر على جودة العلاقات الأسرية. فالانشغال بالهواتف أثناء الوجبات العائلية أو التجمعات يقلل من فرص الحوار والتواصل العميق بين أفراد الأسرة. هذا الانفصال العاطفي قد يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية إذا لم يتم التعامل معه بحكمة، مثل تخصيص أوقات خالية من التكنولوجيا لتعزيز التواصل المباشر.

مع انتشار التطبيقات ومنصات التواصل، أصبحت الخصوصية تحدياً كبيراً. يتم جمع بيانات المستخدمين واستخدامها لأغراض تجارية أو حتى للتأثير على الرأي العام، مما يثير مخاوف بشأن أمن المعلومات الشخصية. هذا التحدي يتطلب وعياً مجتمعياً بأهمية حماية البيانات واستخدام أدوات الحماية الرقمية، بالإضافة إلى تشريعات صارمة لتنظيم استخدام البيانات.

إدمان الإنترنت والهواتف الذكية أصبح ظاهرة اجتماعية مقلقة، خاصة بين الشباب والمراهقين. قضاء ساعات طويلة على الألعاب الإلكترونية أو تصفح وسائل التواصل قد يؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية، ويقلل من الإنتاجية. هذا التحدي يستدعي نشر الوعي حول الاستخدام المعتدل للتكنولوجيا وتطوير برامج توعية للأفراد والأسر.

على الرغم من التقدم التكنولوجي، لا يزال هناك تفاوت كبير في الوصول إلى التكنولوجيا بين المناطق المتقدمة والنامية، وبين الطبقات الاجتماعية المختلفة. هذا التفاوت يعزز الفجوة الاجتماعية والاقتصادية، حيث يحرم البعض من فرص التعليم والعمل التي تعتمد على التكنولوجيا. معالجة هذا التحدي تتطلب جهوداً عالمية لتوفير البنية التحتية الرقمية وتعليم المهارات التقنية.

التكنولوجيا ساهمت في نشر ثقافة عالمية، لكنها في الوقت ذاته قد تهدد الهويات الثقافية المحلية. فالانفتاح على ثقافات أخرى عبر الإنترنت قد يؤدي إلى تلاشي بعض القيم والتقاليد المحلية، خاصة بين الأجيال الشابة. الحفاظ على الهوية الثقافية يتطلب تعزيز التعليم الثقافي واستخدام التكنولوجيا نفسها لنشر التراث المحلي.

خاتمة

عصر التقنية يحمل في طياته فرصا هائلة، لكنه يفرض تحديات اجتماعية تتطلب تعاملاً واعيا وحلولا مبتكرة. الموازنة بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على القيم الإنسانية والاجتماعية هي مفتاح بناء مجتمع متماسك. يجب على الأفراد والمجتمعات والحكومات العمل معا لمواجهة هذه التحديات من خلال التوعية، التشريعات، والاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، لضمان أن تكون أداة للتقدم لا للتراجع.

كاتبة من البحرين