آخر تحديث: 14 / 6 / 2025م - 12:50 م

هل يصبح فيروس H5N1 الوباء العالمي القادم بعد كورونا؟

جهات الإخبارية

حذر خبراء الصحة العالميون من احتمال متزايد لتحول فيروس إنفلونزا الطيور عالي الضراوة ”H5N1“ إلى وباء عالمي جديد، وذلك في ظل تصاعد أعداد الإصابات التي يتم تسجيلها بين الطيور، وانتقاله إلى الثدييات، وظهور حالات إصابة بشرية في العديد من الدول، مما يثير قلقًا بالغًا في الأوساط العلمية والصحية.

ويُصنف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1، إلى جانب بعض المتحورات الأخرى مثل H5N6 وH7N9، ضمن فيروسات الإنفلونزا ”أ“ شديدة الإمراض، والتي تتميز بوجود بروتينين رئيسيين على سطحها، وهما الهيماغلوتينين ”H“ والنورامينيداز ”N“، اللذان يحددان نوع الفيروس وقدرته على إحداث العدوى.

وشهدت الفترة ما بين ديسمبر 2024 ومارس 2025 تفشي الفيروس في 31 دولة، حيث تم تسجيل أكثر من 740 حالة في الطيور، تركزت بشكل خاص في الدواجن والطيور البرية والمائية مثل البجع والإوز.

وفي تطور لافت، رُصد الفيروس أيضًا بين الثدييات، بما في ذلك القطط المنزلية والحيوانات البرية في أوروبا، بالإضافة إلى انتشار واسع ومقلق في قطعان الماشية بالولايات المتحدة الأمريكية، مع تسجيل نمط جيني جديد للفيروس يُعرف بـ ”D1,1“.

ورغم أن الإصابات البشرية لا تزال تُعتبر نادرة نسبيًا، فقد تم تسجيل 22 حالة جديدة خلال عام 2024، من بينها إصابة عامل ألبان في الولايات المتحدة، وهو ما أثار مخاوف جدية بشأن قدرة الفيروس على التطور والتكيف للانتقال بين الأنواع المختلفة، وفتح الباب أمام احتمالات غير مستبعدة لظهور جائحة مستقبلية.

ويتمتع فيروس H5N1 بمرونة جينية ملحوظة تسمح له بالتكيف مع الظروف المختلفة، بما في ذلك الانتقال إلى الثدييات، وهو ما يهدد بحدوث انتقال فعال ومستدام بين البشر في المستقبل.

ويضيف الخبراء أن طفرة بسيطة في أحد بروتينات الفيروس قد تكون كافية لتغيير خصائصه بشكل كبير، وجعله أكثر قدرة على الارتباط بالخلايا البشرية وإصابتها، مما قد يشكل نقطة تحول خطيرة في مسار انتشار المرض.

وبخلاف فيروسات الإنفلونزا الموسمية التي يكتسب جزء من السكان مناعة جزئية ضدها نتيجة التعرض المتكرر أو التطعيم، فإن سلالات إنفلونزا الطيور تعتبر جديدة تمامًا على الجهاز المناعي البشري، ولا توفر اللقاحات الموسمية الحالية حماية فعالة ضدها.

تاريخيًا، رُصد فيروس H5N1 لأول مرة في عام 1959، بينما سُجلت أولى حالات الإصابة البشرية المؤكدة به في هونغ كونغ قبل حوالي أربعة عقود.

ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، فقد تم توثيق 878 حالة إصابة بشرية بفيروس H5N1 في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2023، أسفرت عن 458 حالة وفاة في 23 دولة، مما يعكس مدى خطورة هذا الفيروس عند انتقاله للإنسان.

ويُشار إلى أن الفيروس ينتقل بشكل رئيسي عبر الاتصال المباشر بالطيور المصابة أو من خلال ملامسة البيئة الملوثة بفضلاتها أو إفرازاتها، مع بقاء احتمالية انتقال العدوى من إنسان إلى آخر نادرة الحدوث حتى الآن.

وعلى الرغم من اعتماد العديد من الدول على أنظمة مراقبة متطورة للكشف المبكر عن الفيروس وتتبع انتشاره، إلا أن هذه الأنظمة قد لا تكون كافية دائمًا للكشف عن حالات تفشي غير متوقعة أو ظهور الفيروس في أنواع حيوانية جديدة لم تكن ضمن دائرة الرصد المعتادة.

ويلعب الإبلاغ المحلي السريع والدقيق دورًا حاسمًا في متابعة التطورات وفهم ديناميكيات انتشار الفيروس.

وفيما يتعلق بالعلاج، تتوفر بعض الأدوية المضادة للفيروسات مثل ”أوسيلتاميفير“، إلا أن العلاج الإكلينيكي لإنفلونزا الطيور لا يزال محدودًا، كما تبرز تحديات كبيرة فيما يتعلق بالقدرة على إنتاج لقاحات مخصصة وفعالة بشكل سريع للاستجابة في حالات الطوارئ، خاصة مع الدروس المستفادة من جائحة كوفيد -19 والتحديات التي واجهت العالم في تطوير وتوزيع اللقاحات.

ويوصي العلماء بضرورة تعزيز أنظمة المراقبة البيطرية والصحية على مستوى العالم، وتطوير البنى التحتية للمختبرات، لا سيما في البلدان النامية التي قد تفتقر إلى الموارد الكافية لمواجهة مثل هذه التهديدات.

ويعتبر تدريب المزارعين والعاملين في قطاع الصحة الحيوانية أمرًا أساسيًا لتقليل خطر انتقال الفيروس من الطيور إلى الإنسان.

ويشدد الخبراء في ختام توصياتهم على الأهمية القصوى للتعاون الدولي وتبادل البيانات والمعلومات بشكل شفاف وفي الوقت المناسب، وذلك في إطار مفهوم ”صحة واحدة“ الذي يجمع بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، كنهج شامل وضروري لتفادي وقوع جائحة جديدة قد تكون لها تداعيات وخيمة على العالم.