وهم الكفاح المشترك
كنت ذات يومٍ جالسًا إلى صديقٍ عزيز، ضاق صدره بتجربة زواجٍ مضت ولم تثمر غير الأسى، فأخذ يُمنِّي نفسه بزوجة عاملة، تعينه على صروف الحياة وما أثقلها من صروف. ولم أُرِد أن أقطع عليه حلمه، ولا أن أثقل عليه بحسابات الواقع، لكني رأيت أن من واجبي أن ألفت نظره إلى ما قد غفل عنه، أو ما شاءت له التجربة المريرة أن ينساه.
فقلت له، على هدوءٍ وتؤدة: إنك ترجو أن يكون في عمل الزوجة عونٌ على متاعب العيش، ولكن هل تأملت أي أثمان قد يُطلب منكما دفعها؟ تخيّل أنها تخرج في الصباح كما تخرج، وتعود في المساء كما تعود، وقد أنهكها السعي وأعياها الطلب، فلا تجد إلى الراحة سبيلًا، ولا إلى الطمأنينة مذهبًا. من يرعى الأطفال؟ ومن يواسي والدتك الطاعنة إن كانت في البيت؟ ومن يُدير شؤون هذا المنزل إن لم تتيسر خادمة، أو إن كانت لا تملك غير الطاعة العمياء؟ أم هل تحسب أن الأمومة تُوكَل، وأن الحنان يُؤجّر، وأن الدفء الأسري يُستعار كما تُستعار الحاجات من المتاجر؟
ثم إنك، يا صاحبي، قد تجد نفسك أمام شريكةٍ مجهدة، لا تُحسن الصمت حين تُعاتب، ولا تُجيد العطاء حين تُطالب. فإن ألقيت إليها بحديث التعب، ظنت أنك تُنقص من شأنها. وإن شاركتها همّ المعيشة، ظنتك تذكّرها بخياراتها. كلٌّ يطلب، وكلٌّ يئن، ولا أحد يعطي بغير حساب.
ولست أقول إن في عمل المرأة شرًّا، ولا أن في سعيها نقصًا، معاذ الله! وإنما أقول إن هذا الباب، إذا فُتح، فلا بد أن يُبنى له إطار من النظام والتدبير، وإلا دخل منه الريح، وزلزل أركان البيت، وفرّق الشمل.
لقد أراد الناس أن يُسوّوا بين الرجل والمرأة في حق العمل، وما أجمل العدل حين يكون موزونًا، وما أعدله حين يُراعي الفطرة والطبيعة. لكن القانون، وإن ساوى في الفرص، لم يُحسن بعد أن يوازن في الأعباء. فلم يُعنَ كثيرًا بأن للأمومة طبيعة لا يبدلها الشعار، ولا يُخفف من ثقلها التقدير اللفظي. ولم يُعطِ للرجل ما يُلزمه حقًّا لا مجاملة بمشاركة شريكة حياته في الأدوار والمسؤوليات.
فالمرأة، إن هي قضت ساعات نهارها في المكتب، لا يمكن أن تفيض على بيتها في الليل ما لم يكن في قلبها وقته ما يكفي. والعائلة التي ترتفع مداخيلها، قد ينخفض فيها الدفء، إن لم يكن في النفوس وعيٌ بما يُبنى لا بما يُنفق.
فإذا أردنا أن نكون منصفين، فلا ينبغي لنا أن نُعاتب المرأة لأنها لم تعد ”ملاكًا في البيت“، بعد أن دفعناها إلى معترك لا رحمة فيه. ولا أن نطالبها بأن تحترق في كلا الجانبين، دون أن نمد لها يدًا أو نُقيم لها سندًا. بل الواجب علينا، وعلى المؤسسات المسؤولة - وفي مقدمتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية - أن تُعيد النظر في هذه المعادلة كلها، لا بإطفاء حريقٍ هنا أو هناك، ولكن بوضع لبنات جديدة لبيت لا تمزقه الرياح من كل جانب.
إن المرأة لا تطلب أن تُعفى من طموحها، كما لا ينبغي أن تُدفن فيه. فهل آن لنا أن نعيد للأسرة توازنها، لا بمحو طموح، ولا بتحميل طرفٍ واحدٍ ما لا طاقة له به، بل بإقامة الشراكة الحقّة، التي لا يُقال فيها ”كفاح مشترك“ وهو في حقيقته انفرادٌ بالألم؟