آخر تحديث: 10 / 6 / 2025م - 2:47 ص

ما المجتمع الذي نريد؟

حسين علي حبيل

نعيش جميعًا وسط كومة من التناقضات. فمثلًا، مجتمعنا يقدّس الأم، ويفرد لها يومًا في السنة «21 مارس في بعض البلدان»، ولكن يحتقر بعض أفراده المرأة في نفس الوقت، بل ويشنع عليها أبسط حقوقها في العمل وفي إبداء الرأي مثلًا! وما أكثر الدعاة إلى التسامح بيننا، وما أكثر ما نكرّس الكراهية!

ترفع الشعارات المثالية في المناسبات، ولكنها تضل طريقها كثيرًا في الممارسات اليومية. إن تناقض الأقوال مع الأفعال ينذر بخلل عميق في منظومتنا القيمية، وغياب الوعي بالمبادئ التي ندعي الالتزام بها.

هي ليست نظرة سوداوية أو سلبية بل محاولة لفهم السبب وراء كل هذه التناقضات، ويقولون قديمًا: إذا عرف السبب بطل العجب!

كل تلك التناقضات قدمت لنا مجتمعات سيئة المخرجات تنتج أفرادًا بشخصيات ممسوخة الهوية، فلا معايير أخلاقية وفكرية تحول دون وقوع أبناء المجتمع في الخطأ، بل يستميت البعض في الدفاع عن الخطأ عوضًا عن تصحيح وتصويب المسار، وكأن الانحراف عن الجادة خيار يستحق المباركة!

لقد بحث الكثير من شبابنا عن معايير أو مرجعيات أخلاقية أو نماذج واضحة فلم يجدوها، أو غضوا الطرف عنها، وعاشوا في صراع بين ما يؤمنون به من قناعات وبين ما يمارسونه، وتلقفت عقولهم أيدي العابثين والمتربصين من التيارات الفكرية المتطرفة فخلقت وزرعت في عقولهم وعيًا مشوهًا، وشخصيات تجسّد الفوضى وتجمّلها عوضًا عن تجسيد الصورة المرادة للإنسان السويّ.

وإن وجدوا المعايير الأخلاقية فإنهم يغضون الطرف عنها كعروس تغطي وجهها بالخمار ليلة زفافها خجلًا!

نعم يا سادة! التشكيك إن استخدم كأداة للفهم ليس جريمة! وإعادة النظر في الموروث الثقافي والاجتماعي - وبصورة علمية - ليست تهديدًا لهويتنا!

إنه الإنسان.. كائن حيّ تقتضي طبيعته البشرية أن يتناقض في سلوكياته وأفعاله، ولو استقر على حال واحدة لما أدرك وتجاوز وتعلم من أخطائه كيف يعيش.

في مجتمعنا، نتخبط في المعاناة التي أنتجنا ظروفها، ونتألم من الفقر والجهل والعنف الذي تسببنا به لأنفسنا. كيف نستطيع أن ندرك مثلًا بعض التصرفات الأخلاقية ونستوعب انزعاج البعض من صدق الآخرين معهم وقولهم للحقيقة المرّة كما يحلو لنا تسميتها، واستحسانهم لمن يكذب عليهم وقد يحقق في تلك الأكاذيب إرضاء غرور داخلي أو تبرير مشاعر ما، ورغم الفجوة الأخلاقية الكبيرة بين هذين السلوكين «الصدق والكذب».

كثيرًا ما ننبذ من يصارحنا بالحقيقة، ونرفع من يجمّل لنا الأكاذيب على الأكفّ؟

هنالك أسر مضطربة في مجتمعنا بحاجة ماسة إلى تكريس ثقافة الحوار والإنصات.

وهنالك أيضًا رب للأسرة اتخذ من القسوة أسلوب حياة، ومن العنف بشتى ضروبه اللفظية والجسدية طريقة بائسة لتربية أبنائه عوضًا أن يكون مصدر أمان واحتواء. والنتيجة: تصدير زائرين للعيادات النفسية، وفي أحسن الحالات: أسر مضطربة جديدة!

من الصعب علينا جميعًا أن نفهم المجتمع، وقد يجد الباحث أو الكاتب صعوبة شديدة في التجرد من خلفياته الثقافية أو قناعاته ومسلمّاته الخاصة وتفضيلاته الشخصية أثناء محاولته تفكيك تناقضات وواقع المجتمعات البشرية، فلا توجد نظرية تفسر ما حولنا بشكل شامل. ولكن هذا لا يعني أن نكفّ عن المحاولة!

ما الحل المنشود وأين المخرج؟

وهل سيكتفي النقّاد مثلًا بوضع مباضعهم النقدية على مناضد النقد؟ أم ستخضع لنقد مضاد كما قال بعض علماء الاجتماع كبيير بورديو؟ هل أدى المثقفون في مجتمعنا اليوم دورهم كاملًا؟ أم اكتفوا بالتنظير دون مساهمة فعلية في صناعة الوعي؟

ما المجتمع الذي نريد؟ هل نريده مجتمعًا يقف عند مظاهر القيم فقط أم يترجم هذه القيم إلى سلوك يومي فعلي؟

أنريده مجتمعًا يحتفي بالإنسان وكرامته ويمنحه فرصة للنمو والتعبير بسلام؟ أم سنبقى أسرى لشعارات بلا مضمون وتناقضات لا نهاية لها؟