آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 12:21 ص

لا أرى لا أسمع ولا أتكلم!

بدرية حمدان

حديثٌ دار بينهما في أمور كثيرة، يعني ”طقّ حنك“.

كان الحديث من جانب واحد، فطبيعة الطرف الآخر أنه يفضّل الإصغاء.

لحظةُ تأثرٍ وبكاءٍ من حرقة قلب، وكأن الزمن يعيد نفسه.

هذا ما قاله: أتعبتُ والديَّ بتذمّري، كنتُ كثير اللوم والعتاب لهما، أتجنب الحديث معهما، وأنسب إليهما ما يحدث لي من عثرات في حياتي، على أنها نتيجة تقصيرهما معي.

هذا ما كان يصوّره لي تفكيري في تلك المرحلة الماضية من عمري، مرحلةٌ أودّ لو تُمحى من ذاكرتي. كلّما تذكّرتُها كرهتُ نفسي، خاصةً مع رحمة والديَّ وحبّهما لي، فتلك المرحلة العُمريّة كانت غير إدراكية، عشوائية في التفكير، لكني أخجل منها كثيرًا كلّما تذكّرتُها وأعاتب نفسي عليها.

لكن ما أمرّ به الآن، وأنا في مرحلة النضج الكامل والوعي، أرى انعكاس تلك التصرفات يظهر في تعامل ابني معي، كأنها مرآة تعكس تلك المرحلة من عمري، مع اختلاف تردد الصدى. كانت صامتة، هي صراع داخلي، فلم أكن أمتلك الجرأة على الكلام والبوح بما يدور في داخلي، على عكس ابني الآن، الذي يحاسبني على كل صغيرة وكبيرة، لدرجة أنه يجعلني أنزوي في زاوية ضيّقة، وأشعر بعدم القدرة على احتوائه، فتربية الأمس تختلف عن تربية اليوم.

كنّا جيل ”لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم“، هذا هو معنى الاحترام في نظرنا. لذلك لم يكن هناك صدى لأصواتنا، وكلماتُنا تظلّ داخل صناديق مقفلة.

أنا أقرب إخوتي لوالديَّ، وأكثرهم برًّا بهما، فرضاهما هو الهواء الذي أتنفّسه. أرى في عيونهما الرضا اتجاهي، فهما يغمرانني بعطفهما وحنانهما، وكأنني ما زلت طفلًا صغيرًا.

فتربيتُنا لأبنائنا ما هي إلا صورة مماثلة لما تربَّينا عليه.

مع كل اصطدامٍ مع ابني واختلاف، أتعَرّى أمام نفسي، لأني لم أصل بعد إلى درجة القناعة والإيمان باختلاف وجهات النظر بين الأجيال.

ما زلت أتعامل معه على مبدأ: ”أنا أفصّل، وأنت تلبس“.

ليس من باب السيطرة وفرض الرأي، بل بدافع الحب.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
محمد
[ العوامية ]: 7 / 6 / 2025م - 7:54 م
التركيز على أن سلوك الابن هو انعكاس لما حدث مع والديه فيه نوع من التبسيط الزايد. الجيل الجديد يتعامل مع ظروف مختلفة تمامًا، من تكنولوجيا إلى ضغوط نفسية. نحتاج نوسع زاوية النظر بدل ما نختصرها في “المرآة”.
2
محمد يوسف آل مال الله
[ عنك ]: 9 / 6 / 2025م - 11:10 ص
جاء في الحديث "برّوا آباءكم، تبركم أبناءكم". التذمر والامتعاض من تعامل أبنائك ما هو إلاّ نتيجة تلك المعاملة التي اتخذتها مع والديك…. ولا تقل لهما أف…