آخر تحديث: 9 / 6 / 2025م - 7:50 م

الإعلامي نصر الله يستعرض ”المسكوت عنه“ في سيرة الجواهري.. وكيف كسر الملك عبدالله البروتوكول في استقباله

جهات الإخبارية

كشف الكاتب والإعلامي البارز، محمد رضا نصر الله، عن جوانب إنسانية وفكرية عميقة في حياة الشاعر محمد مهدي الجواهري، الذي يعد من أبرز شعراء العراق الحديث مؤكدًا أن سؤالًا دقيقًا خلال حواره المتلفز الأخير معه عام 1994، دفع الجواهري للمرة الأولى للربط بين تكرار مفردة ”الدم“ في قصائده، وحادثة مقتل أخيه الأصغر جعفر على جسر الأحرار ببغداد عام 1948.

جاء ذلك في أمسية حوارية استضافها ”الصالون الثقافي العراقي في لوس أنجلس“، استعاد فيها نصر الله، صاحب التجربة الإعلامية التي تتجاوز ألف ساعة متلفزة، جوانب إنسانية وفكرية عميقة من سيرة الشاعر الراحل.

وأوضح أن الحوار الذي كان مقررًا له عشرين دقيقة فقط، امتد لقرابة الساعتين، تفاعل فيه الجواهري بعمق مع الأسئلة التي غاصت في ”المسكوت عنه“ من تاريخه الشخصي والفكري.

وأشار نصر الله إلى أن الجواهري تفاعل مع السؤال بتأثر بالغ، وأقر بأن تلك الملاحظة كانت بمثابة تنبيه لم يلتفت إليه من قبل، معترفًا بأن حادثة مقتل أخيه المأساوية كان لها ”دخلٌ كبير“ في مساره الشعري. ومضى الشاعر في حواره ليقدم تمييزًا فلسفيًا بين ”الدم الغالي“ للشهيد الذي يثمر تضحية ووطنًا، و”الدم الرخيص“ الذي أُريق هدرًا على أرض العراق.

سلّط نصر الله الضوء على شخصية الجواهري المركبة التي تشكلت في بيئة النجف الثقافية والدينية، المدينة التي وصفها الرحالة ابن بطوطة بأنها ”من أحسن مدن العراق“.

وأوضح كيف تمرد الشاعر الشاب على رغبة والده في أن يرث منه دراسة العلوم الدينية، وانصرف نحو شغفه بقراءة خزائن الكتب، حيث استنشق ”رائحة الورق“ واطلع على عيون الشعر العباسي، مثل المتنبي والبحتري، بجانب اطلاعه النهم على نتاج الفكر الأوروبي الحديث عبر الكتب المترجمة، ما منحه نزعة حداثية مبكرة انعكست في شعره.

وتناول المحاضر شخصية الجواهري المركبة، التي جمعت بين الاعتزاز العميق بجذوره النجفية، وبين التطلع الحداثي الذي اكتسبه من قراءاته المترجمة لأعلام الفكر الأوروبي مثل ”إميل زولا“، وهو ما تجلى في نثره الفني المتقدم، كمقدمة ديوانه الأول التي أعاد الشاعر محمود درويش نشرها لاحقًا بوصفها ”قصيدة نثر“.

وتطرق نصر الله إلى حياة الجواهري السياسية الصاخبة، التي كانت سجالًا مستمرًا مع السلطات المتعاقبة، بدءًا من معاركه الفكرية مع ساطع الحصري في العهد الملكي، وصولًا إلى صدامه الشهير مع الزعيم عبد الكريم قاسم دفاعًا عن حرية الصحافة، وهي التقلبات التي جعلته يعيش فترات طويلة من الترحال في المنافي.

وفي هذا السياق، كشف نصر الله عن دوره الشخصي في تحقيق أمنية الشاعر الجواهري بزيارة المملكة العربية السعودية، والتي تحققت عام 1995 بعد أكثر من ستين عامًا من الترقب، وهي الزيارة التي قيل إنها أدت إلى سحب الجنسية العراقية منه.

وروى نصر الله تفاصيل الاستقبال الرسمي الكبير الذي حظي به الجواهري في مهرجان الجنادرية، والذي وصل إلى حد كسر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز للبروتوكول الرسمي، حيث مشى معه مودعًا إياه حتى باب سيارته.

وعلى الرغم من هذه الحفاوة، أكد نصر الله أن حنين الجواهري لوطنه كان طاغيًا، حيث سرعان ما استدعى قصيدته الشهيرة ”حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحييني.. يا دجلة الخير، يا أم البساتين“ وبدأ يرددها بشجن نجفي شفيف بمجرد وقوفه على صحراء نجد التي ذكرته بامتدادها إلى العراق.

وشهد اللقاء تفاعلًا واسعًا من الحضور الذين ناقشوا جوانب متعددة من إرث الجواهري، من مواقفه السياسية، وعلاقته بالتيار اليساري، وصولًا إلى الجدل حول قضية سحب الجنسية العراقية منه، ليخلص الحوار إلى أن الجواهري، بكل ما فيه من تناقضات وعواصف، يظل رمزًا أدبيًا شامخًا، وشعره هو السجل الأنقى والأبقى لتاريخ العراق الحديث وآلامه وآماله.







التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
أحمد الدعلوج
[ تاروت ]: 8 / 6 / 2025م - 2:57 ص
سرد رائع من الاعلامي محمد رضا نصر الله. الجواهري ليس مجرد شاعر، بل هو ذاكرة وطن. الحوار كشف أشياء ما كنا نعرفها حتى كمحبين لشعره.
2
زينب الصفار
[ جزيرة تاروت ]: 8 / 6 / 2025م - 2:58 ص
أحببت التعمق في الجوانب الإنسانية للجواهري، خاصة تأثره بمقتل أخيه. القصيدة مش مجرد كلمات، فيها دمعة وشهقة مكتومة.
3
نورة آل سيف
[ القطيف ]: 8 / 6 / 2025م - 2:59 ص
الطرح جميل لكن تمنيت يكون فيه ربط أكثر بين تجربة الجواهري وتحديات الشعر العربي المعاصر، عشان ما يظل الحديث محصور في النوستالجيا.
4
علي عبدالمحسن
[ القطيف ]: 8 / 6 / 2025م - 9:15 م
لا يمكن لصحفي ليس شاعرا وليس له دراية بالشعر أن يحاور قامة شعرية كبيرة كالجواهري ويروح ظمأ القارئ الشاعر والمثقف. كان يجب على نصرالله أن يشرك معه شعراء كبار معروفين وهم كثر حتى يعطى الشاعر والشعر حقه وحتى يستفاد من تواجده في المملكه .