مهارات العلاقات الاجتماعية ”Social relations skills“
تُعدُّ مهارات العلاقات الاجتماعية من الركائز الأساسية التي يقوم عليها النجاح في حياة الإنسان، سواءً على الصعيد الشخصي أو المهني. فهي تمثل القدرة على التفاعل والتواصل مع الآخرين بطريقة إيجابية، تسهم في بناء علاقات سليمة قائمة على الاحترام والتفاهم. وتزداد الحاجة إلى هذه المهارات في ظل التقدّم التكنولوجي وسرعة الحياة، حيث أصبحت العلاقات الإنسانية أكثر تعقيدًا، وأصبحت الحاجة إلى مهارات تواصل فعّالة أمرًا لا غنى عنه.
وقد أصّلَ الشارع المقدس لذلك وأكّد عليه حين قال جلّ جلاله: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134] [1]
وقال جلَّ شأنه: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125] [1]
وجاء عن رسولنا الكريم محمد ﷺ أنه قال: ”إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ“ رواه مسلم. [2]
ومما ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي أنه قال: ”يستدل على عقل الرجل بحسن مقاله“ [3]
ولما احتضر - - جمع بنيه حسنًا وحسينًا وابن الحنفية والأصاغر من ولده، فوصاهم وكان في آخر وصيته: ”يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بني إن القلوب جنود مجندة تتلاحظ بالمودة، وتتناجى بها…“ [4]
تكمن أهمية بناء مهارات العلاقات الاجتماعية في أنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين. فالتفاعل الاجتماعي هو الوسيلة التي يحقق من خلالها الإنسان حاجاته النفسية والعاطفية، ويبني من خلالها شبكة من العلاقات تسانده في حياته. ومهارات العلاقات الاجتماعية تمكّن الفرد من الاندماج في المجتمع، وتحقيق التفاهم مع الآخرين، وتجنّب النزاعات وسوء الفهم، فضلًا عن تأثيرها الكبير في بيئة العمل، حيث تُعدّ من أهم عوامل النجاح المهني.
وتكون أبرز مهارات العلاقات الاجتماعية في الاستماع الفعّال الذي هو أساس التواصل الجيد، إذ يدل على الاحترام والاهتمام بالآخرين، ويعزز التفاهم ويقلّل من احتمال حدوث سوء الفهم.
كذلك يكون في التواصل الواضح سواءً بالكلام أو بلغة الجسد، إذ يجب أن يكون التعبير عن الأفكار والمشاعر واضحًا وصادقًا، مع تجنّب الغموض أو العدوانية.
ويكون أيضًا في الاحترام والتقدير وذلك من خلال مراعاة مشاعر الآخرين وآرائهم، والتعامل معهم بلباقة وأدب، مما يترك أثرًا طيبًا في نفوسهم.
وبالتعاطف والذكاء العاطفي نستطيع احتواء الناس وتفهم مشاعرهم. وقد عرّفه دانيال غولمان" «Daniel Goleman» بأنه:
”القدرة على تحفيز النفس، والمثابرة في مواجهة الإحباط، والتحكم في النزوات، وتنظيم الانفعالات، ومنع الغضب من التأثير على التفكير، والقدرة على التعاطف، والأمل“. [5]
كما أن مهارة حل النزاعات لا تقل أهمية، إذ تُمكّن الفرد من التعامل مع الخلافات بهدوء وحكمة، والبحث عن حلول ترضي جميع الأطراف. يستطيع الشخص أن يفهم مشاعر الآخرين ويتفاعل معها، مما يعمّق العلاقات ويقوّي الروابط الإنسانية. [6]
كذلك أن امتلاك الفرد للمرونة الاجتماعية تجعل لديه القدرة على التكيّف مع الشخصيات المختلفة والظروف المتغيرة، مما يتيح للفرد النجاح في علاقات متعددة ومتنوعة. [7]
إنّ تطوير مهارات العلاقات الاجتماعية لا يحدث بين يوم وليلة وبين عشية وضحاها، بل يحتاج إلى وعي وممارسة مستمرة. يمكن البدء بالإنصات الجيد للآخرين، والانتباه إلى لغة الجسد، والتدرّب على الحديث مع الغرباء بلطف، والمبادرة في تقديم الدعم والمساعدة. كما أن قراءة كتب التنمية الذاتية، والمشاركة في الأنشطة الجماعية، وحضور الدورات التدريبية في مهارات التواصل، كلها وسائل فعّالة لصقل هذه المهارات.
سنصل إلى نتيجة مفادها إلى أنّ مهارات العلاقات الاجتماعية ليست مجرد أدوات للتفاعل اليومي، بل هي مفتاح للنجاح في الحياة، وبوابة لتحقيق السعادة الشخصية والتوازن النفسي. وكلما عمل الإنسان على تطويرها، زادت فرصه في بناء علاقات قوية ومتينة، يسودها الاحترام والمودة والتعاون. إنها فنٌ يجب أن نتعلّمه، ومهارة يجب أن نُتقنها.