آخر تحديث: 11 / 6 / 2025م - 4:07 ص

الطفل الوحيد.. حبٌ كبير وألمٌ صامت

زكي الشعلة *

قد لا يعجبك المقال بما يحتويه من آراء تتعارض مع القناعة والمصلحة الشخصية، وخصوصًا من كان السبب في ذلك. ومن الغريب أن البعض منا يتهرب من الإقدام على حل المشكلة بدافع الإحراج أو عدم تمكُّن أحد الزوجين أو كليهما. وأذكر موقفًا من طفل قال لي بعد انتهاء الحصة التعليمية: لا أريد الذهاب إلى البيت، فلا يوجد أحد يشاركني الحياة، فأبي مشغول وأمي في العمل، وأنا كثير من الوقت أجلس وحدي، فقد مللت من الوحدة. كلام الطفل من واقع تجربته في الحياة الأسرية؛ فإنه يكبر بمفرده بلا سندٍ من الإخوة، وبلا رفيقٍ في المواقف الحياتية الصعبة، ولا من يشاركه الهم أو الفرح، ولا من يتقاسم معه مشوار الحياة الطويل.

إن الإخوة ليست مجرد عدد، إنها ظهر وسند وعون ومؤازرة وشراكة في الأحلام، وأمان من الانكسارات، ومهما أحببنا أبناءنا فلن نستطيع تعويضهم عن شعور الإخوة. كم من طفلٍ وحيدٍ في بيت أسرته، وعيناه حزينتان بسبب أن والدَيه مشغولان ولا يرغبان في الإنجاب بحجة واهية مثل تنظيم النسل، أو مشكلة طبية، أو مادية، أو أمور أخرى حتى يكبر ولدهما ويبلغ السن العاشرة أو أكثر، ويكبران معه.

الطفل الوحيد في الأسرة قد يُغمر بالحب، وتُفتح له الأبواب دون منافس، ويُمنح العناية والاهتمام الكثير من والديه، لكن الحقيقة التي كثيرًا ما تُخفى أو يتم تجاهلها، هي أنه يكبر بمفرده، ووالداه يكبران معه، وتنشأ صعوبة في الإنجاب بسبب سبب طبي، أو الإرهاق من العمل، أو التعب الجسدي، أو الرغبة في الراحة، وعدم الالتزام بالتربية والعناية بمولود جديد.

الحكمة الشعبية القديمة تلخّص كثيرًا مما نقول: «ولد الشباب للشيبة، وولد الشيبة للخيبة». فإنجاب الأطفال في فترة الشباب أفضل بكثير من المراحل العمرية المتقدمة طبيًّا أو اجتماعيًّا أو تربويًّا، وهو استثمار حقيقي في رحلة الحياة. فحين يكبر الطفل، يكون والداه في مرحلة القوة والمرونة، تساعدهما على تربيته ومشاركته في اللعب، والتوجيه، والإرشاد، وتحقيق الأحلام. وإذا كان والداه قد تقدّم بهما العمر، فيكونان منهكَين متعبَين يبحثان عن الراحة والهدوء، وطفلهما في أول طريقه من الحيوية والنشاط.

لا ننسى أن الطفل الوحيد ينشأ في بيئة صحية وناجحة، ويحصل على اهتمام كامل من والديه في التربية والتعليم، وغالبًا تُلبّى احتياجاته بشكل أسرع وأكثر دقة. وكما أنه يقضي وقتًا أطول مع الكبار، يكتسب منهم الثقافة وتجربة الحياة، ويجعله ذلك أكثر نضجًا من أقرانه، ويتعلم الاعتماد على نفسه في كثير من الأمور في سنٍّ مبكر. وكما يكون قريبًا من والديه في الحوار والثقة، ويسود منزله الهدوء والاستقرار، بعيدًا عن صراع الإخوة والغيرة.

رغم كل الإيجابيات، إلا أن الواقع والتجارب تُظهر أن هناك تحديات نفسية واجتماعية وسلوكية يواجهها الطفل الوحيد بشكل أكبر من غيره، ومن أبرزها: لا يجد من يشاركه اللعب والمواقف اليومية في الطفولة، ويفتقد وجود شخص في أسرته يرافقه في مواقف وتجارب الحياة، ولا يجد سندًا حقيقيًا عند الكبر. ارتباطه بوالديه يشكّل له الاعتماد عليهما، ويصعب عليه الاستقلال لاحقًا، وأخيرًا شعوره بالوحدة والانعزال، حيث يعاني من فراغ عاطفي، خاصة في المناسبات والإجازات، فلا يشاركه أحد في بيته.

ومن هنا نقول: إن الذرية والإنجاب في فترة الشباب نعمة كبيرة، ومن يواجه تأخرًا بسبب مشكلة طبية أو شرعية، فليبادر إلى الحل، فباب الأمل بالله مفتوح، ورحمته وسعت كل شيء، فالوقت والعمر لا ينتظران أحدًا. تمر الأيام والسنون وأنت في مكانك لم تبادر لحل المشكلة، فلا تحرم ابنك من نعمة الأخ أو الأخت، فإنها ضرورة في مشاركته الحياة. ولا تجعل انشغالك وحجتك سببًا في وحدته، فالإخوة عزوة، واعلم أن ولد الشباب للشيبة سند وقوة.

رزقكم الله الذرية الطيبة.