آخر تحديث: 11 / 6 / 2025م - 4:07 ص

تقدير الذات عند غياب البيئة الداعمة

محمد يوسف آل مال الله *

تحدثنا في مقالة سابقة بعنوان ”تقدير الذات وأثر البيئة عليه“ وأوضحتا أنّ هناك أربعة جوانب تؤثر على تقدير الذات؛ الأسرة، المدرسة والتعليم، الأصدقاء والمجتمع، والثقافة والإعلام. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

كيف للمرء أن يقّدر ذاته في غياب البيئة الداعمة؟

لا شك أنّه عند غياب البيئة الداعمة، يصبح تقدير الذات تحديًا داخليًا كبيرًا مما يتطلب وعيًا، وصبرًا، وعملاً مستدامًا. هذا التحدّي بحاجة إلى الاعتماد على النفس كاملًا دون الاعتماد على أي دعم خارجي. يقول عزّ وجل في كتابه العزيز ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة: آية 14.16]، ويقول في آية أخرى ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: آية 6]. ويقول سبحانه وتعالى ﴿وأن لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: آية 39].

من خلال المفهوم العام للآيات المباركة، لا التفسير، فإنّ الإنسان ذاته مسؤول عن تقدير ذاته بنفسه وإن صعبت الظروف وغاب دعم الآخرين. كيف ذلك؟

إليك بعض الخطوات الفعّالة:

أولًا: التعرّف على ذاتك بصدق وأمانة من خلال:

طرح الأسئلة المهمّة على نفسك: مَنْ أنا؟ ماذا أحب؟ ما الذي يهمّني؟ ما هي غايتي في الحياة؟ فالإجابة على هذه الأسئلة وما يماثلها من أسئلة أخرى تعمل على تفعيل الذات وتحريك المشاعر.

تدوين كل نقاط قوتك وإنجازاتك مهما كانت صغيرة. هذه القوة تدفع بك نحو التقدّم ويساعدك على ذلك إنجازاتك التي تعمل كمحفّزات إيجابية حسب نظرية الإنجازات «Achievement Motivation Theory» التي طوّرها عالم النفس ديفيد ماكليلاند «David McClelland» والتي يفترض ماكليلاند من خلالها أنّ لدى الأفراد ثلاث حاجات نفسية رئيسية تؤثر على سلوكهم وتصرفاتهم، وهي الحاجة إلى الإنجاز، الحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى القوة.

الاعتراف بنقاط ضعفك دون محاكمة أو قسوة أو جلد للذات، بل اعتبرها مناطق للنّمو والتطوير والجد والتغيير.

ثانيًا: إعادة برمجة الحوار الداخلي، فحديث النفس أمر مهم وذلك من خلال:

مراقبة النفس في كيفية الحديث معها؛ هل بالتوبيخ أم بالاطمئنان؟ ففي الحديث الشريف ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا“، محاسبة التقييم والتقويم وليس جلد الذات.

استبدال العبارات السلبية المصاحبة للفشل والخذلان كقولك ”أنا شخص فاشل“ بعبارات إيجابية وواقعية ومحفّزة كقولك ”نعم، أنا أواجه صعوبات، لكنّني قادر على تخطّيها“.

ثالثًا: ضبط التوقعات والأهداف وذلك من خلال:

عدم مقارنة نفسك بمن هم في ظروف مختلفة عنك مهما كنت تواجه من أمور وتحديات.

اختر لنفسك أهدافًا ذكية «SMART GOALS» قابلة للتحقيق واحتفل كل ما تقدمت في إنجازها حتى وإن كانت صغيرة. كافئ نفسك بنفسك حتى وإن كانت المكافأة بكلمة تشجيعية أو هدية صغيرة.

رابعًا: تعويد النفس على الامتنان والتقدير الذاتي من خلال:

تخصيص دقائق معدودة يوميًّا لكتابة شيء واحد على الأقل تقدّره في نفسك، كإزالة الأذى عن الطريق أو مساعدة محتاج أو أي شيء آخر يعكس سلوكًا إيجابيًّا.

التركيز على الإيجابيات بشكل كبير ومستدام دون توقف مما يعزز الشعور بالقيمة الذاتية حتى وإن غاب الدعم من الخارج.

خامسًا: عدم التوقّف والاستدامة وذلك:

مهما كانت الصعوبات أمامك وخالجتك الشكوك فلا تنتظر الشعور الكامل بالثقة بالنفس لتبدأ، بل ابدأ وستأتي الثقة تدريجيًا.

تذكّر أنّ الفعل المتكرر والمستديم يتحوّل إلى عادة أو روتين يبني الثقة بالنفس أكثر من التفكير بلا عمل.

سادسًا: بناء الدعم البديل حتى وإن كان صغيرًا وذلك من خلال:

البحث عن مجتمع أو أصدقاء جديرين بالثقة ولديهم الاستعداد للدعم ويملكون قيمًا مشتركة بينك وبينهم وإن كان ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

اقرأ قصصًا أو استمع لأشخاص مرّوا بظروف مشابهة أو أقسى من ظروفك ونجحوا وحققوا إنجازات واضحة. وهنا لا نعني التقليد الأعمى وإنما أخذ وتعلّم الدروس منها.

سابعًا: اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وذلك من خلال:

الدعاء واللجوء إلى الله على كل حال واليقين بأنّ كل إنسان في هذه الحياة له قيمة عند خالقه وإن تجاهله الآخرون. يقول تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة: آية 105]، ويقول في آية أخرى ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: آية 7.8].

التأمل وذلك بالممارسة الذهنية والروحية من أجل تهدئة العقل، وصفاء النفس، وزيادة الوعي، وتحقيق التوازن الداخلي والسلام النفسي. يقول الإمام الصادق : تفكّر ساعة خير من عبادة سنة ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: آية 9].

وأخيرًا، لا بد أن تعلم أنّ تقدير الذات لا يعني الغرور أو الادعاء، بل هو احترامك العميق لرحلتك وإيمانك وأنّك تستحق الخير حتى لو لم يصفّق لك أحد. يقول سبحانه وتعالى على لسان نبي الله يوسف ”اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم“.

وكما أسلفنا في المقالة السابقة آنفة الذكر بأنّ تقدير الذات يعني القيمة التي يضعها الإنسان لنفسه ويعيش معها طوال حياته، حيث إنها تمثّل مدى شعوره بالكفاءة، والاحترام الذاتي، والتقدير.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
حسين عبد العزيز آل قنبر
[ البحرين ]: 10 / 6 / 2025م - 12:40 م
شكرا لكم.
مقال جميل يستحق القراءة.
2
نبيل خواهر ابو علي
10 / 6 / 2025م - 7:52 م
موضوع جميل وطرح أجمل جدير بالطرح والقراءة والتمعن فيه
بارك الله فيك اخي ابا يوسف ولا حرمنا الله من هذا القلم الجميل