هل نحتاج أن نقرأ لنتعلم أم يكفي الاستماع؟ ماذا يقول علم الأعصاب؟
بقلم ستيفاني ن. ديل توفو، أستاذة مساعدة في التربية والتنمية البشرية، جامعة ديلاوير
Do you really need to read to learn? What neuroscience says about reading versus listening
July 28,2025
هل لا زلنا نحتاج أن نقرأ لنستوعب المعنى ونتعلم، أم ببساطة نكتفي بالاستماع إلى التسجيلات الصوتية، من بودكاست و/أو كتب صوتية؟ سؤال أثاره صبي بسن 15 سنة اسمه سيباستيان من الدنمارك.
لنبدأ بتجربة فكرية [1] : أغمض عينيك وتخيل كيف سيبدو المستقبل بعد بضع مئات السنوات.
هل سيسافر البشر بين المجرات [2] ، متنقلين من واحدة إلى أخرى؟ ربما سيعيشون في سفن فضائية، أو في عوالم تحت الماء، أو في كواكب لون سمائها أرجواني.
الآن، تخيل غرفة نومك كغرفة مراهق في المستقبل. ربما هناك شاشة مضيئة على الحائط. وعندما تنظر من النافذة، ربما ترى حلقات زحل، أو الوهج الأزرق لكوكب نبتون، أو عجائب قيعان المحيطات.
الآن اسأل نفسك: هل هناك كتاب ورقي في تلك الغرفة؟ افتح عينيك. غالبًا، ستجد هناك كتابًا. ربما على طاولة السرير الجانبية أو مدسوسًا تحت السرير. بعض الناس لديهم كتاب واحد فقط، والبعض الآخر قد يكون لديهم أكثر من كتاب.
ستجد كتبًا منتشرة في عصرنا الحاضر، حتى في عالم زاخر بالبودكاستات. لماذا؟ لو كان بإمكاننا الاستماع إلى أي شيء تقريبًا منها، فلماذا تبقى القراءة مهمة وعليه نحتاج إلى كتب ورقية؟
بصفتي باحثة في علوم اللغة [3] ، منكبة على دراسة كيف تؤثر العوامل البيولوجية والتجارب الاجتماعية في اللغة. [التجارب الاجتماعية هي التفاعلات والانخراط في الفعاليات والأنشطة الاجتماعية مع الآخرين].
عملي البحثي يستكشف كيف يعالج الدماغ اللغة المنطوقة «المسموعة» والمكتوبة، وذلك عبر توظيف أجهزة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي وتخطيط كهربية الدماغ.
سواء أكان الشخص يقرأ كتابًا أو يستمع إلى تسجيل صوتي له، فإن الهدف واحد: ألا وهو استيعاب وفهم المعنى والتعلم. لكن هذين النشاطين ليسا متماثلين تمامًا من هذه الحيثية. كل منهما يدعم فهم النص [أي القدرة على معالجة النص وفهم معناه والخروج باستنتاجات منه [4] ] بطرق مختلفة. الاستماع لا يوفر جميع الفوائد التي توفرها القراءة، والقراءة لا توفر كل ما يوفره الاستماع. كلاهما مهم، لكن لا يغني أحدهما عن الآخر.
يستخدم دماغك بعضًا من نفس مناطق الدماغ، التي تقوم بالوظائف الإدراكية المتصلة بشبكات القراءة واللغة في الدماغ والمتفاعلة معها [5] ، للقراءة والاستماع، ولكنه يؤدي أيضًا وظائف مختلفة تبعًا لمدى استيعاب الشخص للمحتوى [6] .
عندما تقرأ، يعمل دماغك بجدٍّ خلف الكواليس [7] . يتعرف على أشكال الحروف، ويطابقها مع أصوات النطق بها، ويقرن هذه الأصوات بالمعنى، ثم يربط هذه المعاني في كل الكلمات والجمل وحتى نصوص الكتاب بأكملها. يستخدم النص علامات الترقيم، والفواصل بين الفقرات، أو تلك الكلمات المكتوبة بخط غامق للمساعدة على فهم المحتوى بصورة واضحة. وبذلك نتمكن من قراءة النص بالسرعة التي تناسبنا.
من ناحية أخرى، يتطلب الاستماع من الدماغ العمل بسرعة المتكلم «صاحب الصوت المسجل». ولأن اللغة المنطوقة سريعة الزوال «عابرة»، يتوجب على المستمع الاعتماد على العمليات الإدراكية، بما فيها الذاكرة [5] ، لتذكر ما سمعه للتو.
الكلام أيضًا هو عبارة عن تدفق مستمر، وليست كلمات منفصلة جدًا عن بعضها كما يبدو. عندما يتكلم شخص، تمتزج الأصوات معًا في عملية تُسمى النطق المشترك [مضارعة أو قرب مخرج صوت حرف مع مخرج صوت حرف آخر عند النطق بهما في حالة الدرج [8] ]. يتطلب هذا من دماغ المستمع التعرف على حدود الكلمات وتمييزها عن بعضها بسرعة وربط الأصوات بالمعاني [9] . بالإضافة إلى التعرف على الكلمات نفسها، على دماغ المستمع أيضًا الانتباه إلى نبرة الصوت وبصمة صوت المتكلم «منْ المتكلم؟» والسياق لفهم المعنى الذي يقصده المتكلم.
يعتبر الكثيرون أن الاستماع أسهل من القراءة، لكن هذا ليس صحيحًا في العادة. أثبتت دراسة [10] أن الاستماع قد يكون أصعب من القراءة، خاصةً عندما تكون المادة «النص» مُعقدة وصعبة أو غير مألوفة.
يُعد الاستيعاب من قراءة النص والاستماع إليه «من بودكاست أو من قارئ نصوص] بالنسبة للسرديات البسيطة، كالقصص الخيالية، أكثر تشابهًا من الاستيعاب من قراءة أو الاستماع إلى الكتب الواقعية «غير الخيالية» أو المقالات التي تتناول بالشرح حقائق أو أفكار أو آلية عمل أشياء. نتائج أبحاثي تثبت أن النصوص الأدبية والفنية والموسيقية تؤثر في كيفية قراءة الشخص. في الواقع، تعتمد أنواع النصوص المختلفة على شبكات دماغية متخصصة [11] . القصص الخيالية تثير نشاط مناطق الدماغ المسؤولة عن التفاعل الاجتماعي وإدارته ورواية القصص «12.13». من ناحية أخرى، تعتمد النصوص الواقعية على شبكة دماغية [14] تُساعد على التفكير الاستراتيجي والانتباه المُوجّه نحو الهدف [15] .
قراءة النصوص الصعبة أسهل من الناحية العملية من الاستماع إلى تسجيلاتها الصوتية. فالقراءة تُمكّن القارئ من التنقل بين أجزاء النص بسهولة، وإعادة قراءة أجزاء مُحددة لو واجهته صعوبة في فهم النص، أو تمكنه من وضع خطوط تحت النقاط المهمة للرجوع إليها لاحقًا. أما المستمع الذي يجد صعوبة في فهم نقطة مُعينة، فعليه التوقف وإرجاع التسجيل الصوتي إلى الوراء ليتمكن من الاستماع إليه مرة أخرى، وهو ما يعد أقل دقة من قراءة الصفحة كاملةً. وكذلك لو حصل توقف لانسيابية عملية الاستماع، فقد يحول ذلك التوقف دون فهم النص المسموع.
مع ذلك، قد يكون الاستماع أسهل لدى بعض الناس، مثل المصابين بعسر القراءة [16] . غالبًا ما يجد المصابون بعسر القراءة النمائي [17] [عسر القراءة من أسباب جينية [18] ] صعوبة في تطبيق معرفتهم باللغة المكتوبة لنطق الكلمات المكتوبة بشكل صحيح، وهي عملية تُعرف باسم فك التشفير [أي ترجمة أو الانتقال من المكتوب إلى المنطوق [19] ]. فالاستماع يسمح للدماغ باستخلاص المعنى دون الانخراط في عناء عملية فك التشفير [الانتقال من المكتوب إلى المنطوق].
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى التفاعل مع النص أثناء الاستماع [20] . في هذا السياق، يشير التفاعل مع النص إلى الحضور الذهني، والتركيز النشط، ومعالجة المعلومات، وربط الأفكار بما تعرفه بالفعل [21] .
غالبًا ما يستمع الناس إلى نصوص مقرؤة وهم منخرطون بأنشطة أخرى، مثل ممارسة الرياضة أو الطبخ أو تصفح الإنترنت، وهي أنشطة يصعب الانخراط فيها أثناء قراءة النصوص. عندما طلب باحثون من طلاب جامعيين قراءة مادة أو الاستماع إلى بودكاست عنها في وقت فراغهم، كانت درجات اختبار الطلاب، الذين قرأوا المادة، أفضل بكثير من درجات أولئك الذين استمعوا إلى البودكاست.
أفاد الكثير من الطلاب الذين استمعوا إلى البودكاست بانشغالهم ماديًا و/أو ذهنيًا بأكثر من مهمة أو موضوع أو جهة [فيما يعرف بتعدد المهام] أثناء استماع إلى نص صوتي [22] ، مثل الانشغال بالنقر على روابط صفحات الإنترنت لمعرفة و/أو قراءة محتواها [الأمر الذي من شأنه أن يشتت انتباههم وتركيزهم]. وهذا مهم بشكل خاص، إذ يبدو أن التركيز أهم لاستيعاب المادة الصوتية أثناء الاستماع من أهميته أثناء القراءة.
لذا، نعم، لا تزال القراءة مهمة، حتى مع إمكانية توفر المادة المسموعة. يقدم كل من القراء والاستماع شيئًا مختلفًا عما يقدمه الآخر، ولا يغني أحدهما عن الآخر.
أفضل طريقة للتعلم لا تكمن في اعتبار الكتب المقروءة والتسجيلات الصوتية على أنهما بنفس الفعالية، بل تكمن في معرفة آلية عمل كل منهما واستخدام كليهما لاستيعاب المعنى المراد بشكل أفضل.