آخر تحديث: 4 / 8 / 2025م - 11:00 م

العلماء والمجتمع حقوق متبادلة وواجبات

سلمان العنكي

كل متخصص في علم وصل إلى درجة تصنيف محددة نظامًا هو عالم في مجاله في الشريعة بفروعها: الفقه، الأصول، الحديث، التفسير. أما في الأكاديمية بتصنيفاتها: اللغة، الأدب، الإدارة، الكيمياء، الفيزياء، الطب، الهندسة، القانون، الفلك، الرياضيات، العلوم المستجدة وغيرها. وفي العرف دون شهادة دراسية، كل من يمتلك خبرة مبنية على قواعد التوافق العلمي تؤهله حسب مفهوم العامة لهذا المسمى، منها المعالج الشعبي، الخبير بالأنساب، المتمرس في الكيافة.

والمجتمع يتطلع لهؤلاء جميعًا أن يتصفوا بالأخلاق والإخلاص، وأن يتعاملوا بالمصداقية، خصوصًا علماء الدين باعتبارهم الخيمة التي تحمي من الأفكار الضالة والتيارات المنحرفة. هم القدوة والمثل الأعلى، المرجعية المتبعة بحكم المكانة. إن صلحت الأصول أصلحوا ما سواهم: ”متى ثبتت الأصول تمسكت بها الفروع فاستقرت“.

وإلا تكسرت وتهاوت، وفرقتها الريح أشتاتًا ولو بعد حين. على البارزين ومن تهفو نحوهم القلوب وتصوب الأنظار ويوثق بهم، أن ينقوا أرواحهم وأقوالهم وأعمالهم من الشوائب، ويجنبوا الغث، ويسقوا الزلال المعين، ويزينوا بالمكارم، ليرتوي متابعوهم بما حلا وطاب، بالمن والسلوى، وأن يأتوا بالجديد النافع ما أمكن، ويسايروا الزمن، ويتابعوا المتغيرات، ويرشدوا إلى الإيجابي، ويحذروا من السلبي، ويعملوا ثم يعلموا، لا يتخذوا الأقوال شكلًا وتدعوه مضمونًا. أو يبقوا على ماضٍ لم يعد صالحًا لزماننا. وأن لا يكون سعي أحدهم تضليل الآخرين، يغطيهم بجبته، أو يحبسهم بربطة عنقه بعد إقناعهم خداعًا بخطأ غيره وصوابه، يرى نفسه فرقدًا وما سواه فحمًا. فيقيم سد القرنين بين المجتهدين العاملين، بمجرد مخالفتهم لتوجهه أو لأنهم لا يدينون له بطاعة وبين مؤيديه، حتى لا يكون الطريق مفتوحًا ويقارن وقتها، فيسقط القناع عن وجهه وينكشف، فيفضح أمره، ويفقد كرسيه، ويخسر مكانته، ويعلو غيره، ويتركون هذا، ويتبعون ذاك.

للأسف، هناك من يفاخر بقربه من ”أ“ وحاشيته، لأنه من ”كعب أو كلاب“، ويتباهى ببعده عن ”ب“، ومن وافقه في نظره من ”نمير“. يروي، ينقل كذبًا، ينال ممن يكره، قالوا فيه وسمع عنه، يصادقها كأنها آيات منزلات ويزيد. والبسطاء سماعون للصغيرة قبل الكبيرة:

بفعلك يا هذا، حملت وزرًا وأوزار قومك على ظهرك حتى أثقلتك.

يزكي من أحب، يقدح في من أبغض، يعيب، يكرر قول الشاعر جرير:

”فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبًا بلغت ولا كلابًا“

عمرو، معروف النسب، بليغ الخطاب، من أسرة علمية، ”أكرم به وأنعم به التقدير والاحترام والدعاء بالتوفيق“، لكن زيدًا عالي المستوى، حميد الصفات، فاق في علمه، تميز بحلمه، تحلى بتواضعه، سهل المحادثة، قاضٍ للحاجات، متجاوب عند الطلب؛ لماذا لا يعامل على قدر جهده ومستواه وما يقدم؟ أو على الأقل بالسوية؟

”الإسلام نهى عن التمييز العرقي والتحزب القبلي، ومقت النعرة الطائفية؛ كلنا من آدم وآدم من تراب، الحبشي والفارسي والقرشي سواسية في الحقوق والواجبات.“

إن كنت تجهل الحقائق، يصعب عليك كشفها والتعاملات المغلوطة:

”لا تُقِم بمزاج، أو للشهرة، وتمِل حيث مالوا؛ اسأل الصادقين من أهل الاختصاص، وإلا فاترك، لا لك ولا عليك“.

أفراد بجهل وعصبية وهوى، خلقوا رموزًا بعيدة عن تلك المسميات التي قلدوها، حتى عاث بعضهم في العقول فأضروها، وفي الأبدان فدمروها. والمستجدات المفيدة حرموها:

”رب عالمٍ قتلَهُ جهلُهُ، ما انتفع بعلمِهِ.“

نأمل أن لا نصاب بهذا الداء الفتاك:

”لله تعالى الحمد، لا زلنا بين علمائنا العاملين بعدل، دون كلل وملل، في خير واستقرار؛ عطاؤهم متنوع بينهم المربي والمعلم والزعيم الحوزوي.“

لهم منا كل ثناء وإشادة، وعلى الجميع أن يكونوا يقظين. هذه مسؤولية لا يبررها جهلهم بها:

”من قال خلاف الواقع فقد شهد زورًا، واغتصب حقوقًا وظلم.“

وعلى المعنيين من حملة الأسماء الدينية أو الدنيوية، والفنيين، وأهل المشورة، النصح في عملهم؛ لأنهم الوجه الذي يقصده ويلجأ إليه صاحب الشأن ببراءة وحسن نية لتحقيق ما يربو إليه. لو سلكوه تدليسًا وخداعًا، حتى أوقعوه، أو اعترضته صعابٌ أفشلته وصولًا لمبتغاه، وهم يعلمون مسبقًا بذلك.

نعم، ينطبق عليهم:

”استغلوا سمعتهم، وخانوا المهنة، وضيّعوا الأمانة.“

يجب أن يخافوا الله، ويبتعدوا عما يجهلون؛ ففي الفتوى والشورى فيهما، اتقوا الله لتكونوا من الفائزين المفلحين.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
إبراهيم السبع
4 / 8 / 2025م - 2:16 م
يعطيك العافية يا أستاذ سلمان بالفعل كثير منا صار يصدق كل ما يقال حتى لو بدون دليل. لازم نعيد حساباتنا فيمن نعتبرهم أهل علم.
2
أحمد
[ سيهات ]: 4 / 8 / 2025م - 6:38 م
مقالك يفضح النفاق المتخفي خلف العباءات والشهادات. لكن يا ريت توضح كيف ممكن للمجتمع يميز بين العالم الحقيقي والدجال المقنع.
3
سارة الفرج
4 / 8 / 2025م - 9:19 م
نحتاج نسمع هالكلام من فوق المنابر. مو كل من لبس عمامة أو مسك ميكرفون صار يستحق الثقة. على أهل العلم الصادقين أنهم يفرقون أنفسهم بالعمل لا بالمظهر.
4
د. يوسف الزاهر
4 / 8 / 2025م - 10:35 م
طرحك متين يا أستاذ سلمان بس تمنيت إنك تعرج أكثر على دور المجتمع في محاسبة هؤلاء المدعين وعدم الاكتفاء باللوم الصامت.