آخر تحديث: 14 / 8 / 2025م - 5:16 م

وعثاء الكتابة

محمد العلي * مجلة اليمامة

بعض الكلمات تشبه وجوه البشر: بعضها عندما تنظر إليه «يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظرا» وبعضها «إذا بدا وجهه لقوم/ لاذت بأجفانها العيون» إن معنى الثمالة ومعنى الحثالة من حقل لغوي واحد، ولكن وقعهما عليك يختلف اختلاف النشوة عن الحزن. وكلمة وعثاء من هذا النوع، فأنت لا تحتاج عند سماعها إلى المعجم؛ لأن ثقلها تحس به على كتفيك. أما حين نضيفها إلى الكتابة، فهي تتضمن عدة دلالات، منها المشقة التي يعانيها الكاتب الذي يحترم قلمه ويحترم قارئه، ويحذر من الوعي الاجتماعي السائد، ومن القارئ الحاذق القادر على النقد الموضوعي، ومن غير ذلك. وهناك من أطلق على الكتابة اسم «النمرة» إما أن تفترسها، أو تفترسك، وهو يعطي معنى أعمق مما يشرح به المعجم كلمة وعثاء.

يغريني أن أحصر الفرق بين كاتب يفترس الكتابة؛ وآخر هي التي تفترسه، في شيء واحد، هو الشعور «بالمسئولية» فهو الذي يحدد موقف الكاتب من التبرير للسائد والحداء للقطيع، أو يزجه في حومة الحنين إلى الأجمل. يقول الشاعر الجزائري عاشور فني، على طريقة الهايكو الياباني «لماذا تمر السحابة / وتتركني أتجمع / تحت رذاذ الكتابة» القارئ يعرف أن السحابة هي الحبيبة التي لم تمطره حبا، وتوحي كلمة «أتجمع» بالرجفة من البرد من رذاذ الكتابة، أو من الخوف، كما استخدمها من قبل ابن الرومي واصفا رجلا أحدب:

«قصرت أخادعه وطال قذاله
فكأنه متربص أن يصفعا

وكأنما صفعت قفاه مرة
وأحس ثانية لها فتجمعا»

رذاذ الكتابة يتعدد، شدة وضعفا، فهناك كاتب لا يستطيع الخروج من ذاته، فيعتبر نفسه بحرا طَفَحَ فوقه اللؤلؤ، وآخر يحمل وسام سقراط من أنه لا يعلم. وهنا تبدأ مهمة القارئ الذي عليه أن يميز بين الماء والسراب، وبين السافر والمقنع، والظاهر والباطن. غير أن الملاحظ هذه الأيام، أن الانسياق وراء السراب بهيام عذري، هو السائد في ساحتنا، حتى أصبح الفرد لا يفارقه الشك في كل ما يقرأ ويسمع. إن غارسي الوعي الزائف في الكثرة الأفقية من البشر، يتسلحون بأسلحة فتاكة غير مرئية، تزداد اتساعا وتضليلا. والفرد اليوم يقع في مهب رياح عاتية، تحاول أن تحيل الظلام في عينيه إلى ضياء.

«وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم»

كاتب وأديب