آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 8:33 م

قناديل لا تنطفئ.. رحيل الدكتور باقر العوامي

نازك الخنيزي

في مساء ثقيل على القطيف انطفأ قنديل من قناديلها. رحل الدكتور باقر العوامي بعد عمر حافل بالعلم والطب، وأغمضت الأرض عينيها على قامة كانت تفيض بالرحمة وتزرع في الطفولة طمأنينة البقاء. لم يكن طبيبًا فحسب، بل كان أبًا للقلوب قبل أن يكون شفاءً للأجساد، ظلًّا من حنان يسري بين الناس، يبعث في من يلقاهم يقينًا بأن الخير ما زال يسكن هذه الأرض.

لم يكن حضوره مقتصرًا على غرفة العلاج أو أروقة المستشفى، بل تعدّى إلى المجتمع بأسره؛ صديقًا، ناصحًا، ووجهًا من وجوه البذل والعطاء. في سيرته تتجلى صورة الإنسان الذي حوّل مهنته إلى رسالة، فجعل من الطب بابًا للرحمة، ومن العلم وسيلة لإحياء الأمل. كل مريض عبر بيده لم يكن يسترد عافيته فقط، بل كان يكتشف أن الإنسانية نفسها هي أعظم علاج.

غير أن هذا الرحيل يستدعي في القلب فقدًا أسبق لم يندمل: رحيل رفيقة عمره قبل أربع سنوات، ذلك الغياب الذي ترك في الروح ندبة لا تُشفى. يومها أدركت أن الموت لا يتوقف عند جسد واحد، بل يتردّد فينا كصدى يتوالد كلما رحل الأحبة. واليوم يكتمل الصدى، وقد شاء القدر أن يجمعهما في دار لا وداع فيها، بعد أن افترق الجسد وبقيت الروح تتشوّف إلى اللقاء.

إنه عبور لا انطفاء، انتقال من ضيق الأرض إلى فسحة أرحب، حيث لا يُقاس الحضور بالزمن، بل بما يتركه الإنسان من أثر يظل شاهدًا على حياته. وما تركاه معًا ليس مجرد سيرة، بل جسر من نور يعلّمنا أن الحب حين يخلص يتجاوز الموت ويحوّل الفقد إلى بقاء آخر.

لأبنائهما الأحبّة،

لكم في ذكراهما عزاء يسكب الطمأنينة، وفي ما غرساه في قلوبكم من محبة وإيمان سلوان لا ينضب. أنتم الامتداد الحي لجذورهما، والثمرة التي تذكّر بهما، والنور الذي يواصل رحلتهما في الأرض. فكونوا قناديلهما الباقية، كما صارا هما قنديلين في سماء لا تنطفئ.

وفي الختام،

الموت ليس غيابًا، بل موعد مؤجَّل.

نسأل الله أن يجمع روحيهما في نور لا يخبو،

ويجعل أبناءهما امتدادًا لبركتهما وجذورهما الطيبة.