آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 5:43 م

بصمة الطبيب الإنسان

رضي منصور العسيف *

لا ريب أن الكثير من أبناء القطيف، ولا سيما مواليد الألفية، قد مرّوا يومًا بعيادة الدكتور باقر العوامي رحمه الله، فكان لهم فيها ذكرى لا تُمحى.

وأنا واحدٌ من هؤلاء، إذ اصطحبتُ ابني محمد إلى عيادته حين كانت نوبات التهاب الحلق تداهمه على نحوٍ متكرر. جلست أراقب الطبيب الإنسان وهو يفتّش بصره في كل تفاصيل الطفل: من الشعر حتى الأظافر، ومن لون البشرة حتى نبضات القلب. كان فحصه أشبه برحلةٍ دقيقة في جسدٍ صغير، تبحث عن موطن العلة برفق وحنان.

ابتسم وقال لي ذات مرة:

— ”قد يكون لدى ابنك نقص في الحديد… أنصحك بإجراء تحليل للحديد.“

وفي زيارة أخرى، استمع إلى قلبه الصغير باهتمام، ثم رفع رأسه قائلاً:

— ”ربما هناك مشكلة بسيطة في القلب… من الأفضل أن تجري له فحصًا للقلب.“

كنت أعمل آنذاك في مستشفى الملك فهد الجامعي، فأخبرته بذلك، فخطّ بيده الكريمة تقريرًا أوصى فيه بالفحوص اللازمة. وحين قدّمت التقرير للممرضة هناك، لم تملك إلا أن تبتسم قائلة:

— ”هذا خط الدكتور العوامي!“

قالتها وكأنها تسترجع زمنًا جميلاً قضته معه في ردهات المستشفى، ثم أخذت تفيض بمديحها له، وكأن اسمه كان مفتاحًا لذاكرة مليئة بالخير.

لقد كان كل من عرفه يلمس في عمله حرصًا استثنائيًا، واهتمامًا شاملًا لا يقف عند حدود الأعراض الظاهرة، بل يغوص إلى أعماق الجسد، باحثًا عن أسباب الداء ليمنح الطفل فرصة حياةٍ أصح وأبهى.

رؤيته في صحة الطفل

لم يكن الدكتور العوامي يكتفي بممارسة دوره الطبي في حدود العيادة، بل حمل رؤية شاملة لصحة الطفل:

كان يؤكد دائمًا على أهمية الوقاية عبر التطعيمات التي قضت على أمراض خطيرة مثل الجدري والكزاز.

وشدد على ضرورة متابعة نقص الحديد وفيتامين «د»، لما لهما من أثر بالغ على النمو الجسدي والسلوك العقلي للطفل.

وكان ينصح الأهل بعدم التهاون مع أي تأخر في النمو أو الكلام، ويذكّرهم بأن زيارة طبيب الأطفال بشكل دوري ضرورة، حتى في حال بدا الطفل سليمًا.

هكذا كان الدكتور باقر العوامي: طبيبًا يحمل في قلبه رسالة، وفي يده بصمة لا تُنسى، ورؤية تضيء دروب الآباء والأمهات نحو تربية جيل أصحّ وأقوى.

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف