بين المدير والقائد، هذا هو الفرق
الحديث عن الفرق بين المدير والقائد هو حديث عن الفرق بين الشخص الذي ينشغل بتوزيع المهام ومتابعة تنفيذها في إطار محدد من المسؤوليات، وبين الشخص الذي يتجاوز حدود الإدارة ليصبح مصدر إلهام يفتح أمام فريقه آفاق الإبداع والابتكار. الإدارة ضرورية لحفظ النظام وضبط سير العمل، لكنها وحدها قد تجعل العمل يسير على وتيرة رتيبة. أما القيادة فهي التي تنفخ فيه روح التغيير وتدفع المنظمة لصناعة مستقبل أفضل. من هنا تبرز الحاجة لأن يعيد المدير النظر في ذاته، وأن يسعى إلى الارتقاء بنفسه نحو أفق القيادة؛ فالإدارة من دون قيادة تبقى شكلاً جامدًا لا ينسجم مع عالم يتسابق في التطور. والمدير الذي يصر على الجمود، إنما يضع منظمته على طريق التعثر، وربما الفوات عن ركب المنافسة.
يقول وارن بنيس: «المدير هو من يفعل الأمور بشكل صحيح، والقائد هو من يفعل الأمور الصحيحة» «Warren Bennis, On Becoming a Leader, 1989». أما جون كوتر فيرى أن: «الإدارة تتعلق بالتعامل مع التعقيد، بينما القيادة تتعلق بالتعامل مع التغيير» «John Kotter, Leading Change, 1996». ويضيف جيم كولينز: «القادة العظماء لا يبنون فقط شركة ناجحة، بل يتركون إرثًا يجعل النجاح مستمرًا من بعدهم» «Jim Collins, Good to Great, 2001». هذه الأقوال، ومعها كثير من البحوث في حقل الإدارة والقيادة، تؤكد أن الفرق بين المدير والقائد ليس فرقًا شكليًا بل جوهريًا. المدير يوفّر النظام والاستقرار، بينما يسعى القائد إلى الإبداع وإحداث التغيير الإيجابي الذي يضمن للمنظمة التطور والاستمرارية.
وهذا الفرق لا يبقى مجرد طرح نظري في كتب الإدارة، بل يتجسد بوضوح في قصص واقعية. ولعل أبرزها تجربة ستيف جوبز مع فريق Macintosh في ثمانينيات القرن الماضي. فحين وضع مواعيد نهائية تكاد تكون شبه مستحيلة التحقق، دفع فريقه إلى التفكير بطرق مبتكرة وتجاوز حدود المألوف لإنجاز مشروع أحدث ثورة في صناعة الكمبيوترات الشخصية. بل إن حرصه على الكمال بلغ حد إعادة تصميم اللوحة الإلكترونية الداخلية «circuit board» لجهاز Mac, رغم أنها جزء لا يراه المستخدم، لأنه كان يؤمن بأن الجمال والإتقان يجب أن يشملا كل تفصيل، حتى غير المرئي. هذه الممارسات توضّح بجلاء أن جوبز لم يكن مجرد مدير يتابع تنفيذ المهام، بل قائد يُلهم فريقه لرؤية ما وراء المطلوب، وصناعة منتج يغيّر العالم.
في عالم يسابق الزمن في التطور، ما زال كثير من شاغلي المناصب الإدارية يكررون أنماط الأمس في يومهم وغدهم، وكأنهم نسخ مكررة لا تعرف التجديد. ذلك الركود لا ينسجم مع واقع سريع التغير، وحين يستمر التفكير الإداري على هذا النحو، فإن المنظمات لا محالة تسير نحو التعثر وربما السقوط، لأن هذا النمط من الإدارة قد يخنق كل عقل يفكر خارج الصندوق. وحده القائد من يدرك أن التغيير والإبداع والابتكار ليست ترفًا بل ضرورة. وحين يوجد هذا النموذج داخل منظمة ما، فإنها غالبًا ستسير نحو المزيد من النجاحات. أما حين يغيب، فسيبقى ذلك الأسلوب الإداري الذي يحسن أكثر ما يحسن الإدارة بنظام: ”واحد زائد واحد يساوي اثنين“، بينما العالم من حوله يكتشف معادلات جديدة كل يوم.