سترك المُرخى
«اللهم مولاي كم من قبيح سترته» [دعاء كميل بن زياد ]
وقفة تأملية تشير إلى تدارك ما اقترفته يدا العبد وأخطأت بحق النفس، والتحسّر على تلك اللحظات من النزوات الآنية المنتهية بالحساب والعقاب، يقظة روحية ورشد عقلي بعد الانغماس في الشهوات والاستجابة العمياء للأهواء النفسية، فيدرك المرء بعد مسير بالاتجاه الخاطئ بضرورة التوقف والتعرف على فداحة النتائج والآثار المترتبة على خطاياه، وخصوصا أن تلك الخطايا لو كانت بحق آدمي مثله لواجهه بالرد القاسي والعقوبة الأليمة، ولكنه يلقي بنفسه بين حنايا الرحمة الإلهية التي تضم ضعفه ومعصيته وتفتح الباب لعودته مجددا نحو الفطرة السليمة، فالتوبة والاعتراف بالخطيئة عودة إلى سلم المجد والكرامة والنزاهة النفسية عن النواقص والعيوب، والباعث القوي على فتح صفحة بيضاء هو الستر الإلهي المرخى على العباد مما يعينهم على استعادة الوجه الجميل من فعالهم وصفاتهم، ومحطة استشعار الضعف والندم الحقيقي على ما مضى مع العزم القوي على تصحيح ومعالجة الأخطاء مستقبلا تلقى القبول والرضا الإلهي بداية التغيير والاستدارة نحو الفضيلة والطهارة النفسية، فالرحمة الإلهية لطف خفي يؤسس للسلامة والاستقرار النفسي والوجداني بعيدا عن مظاهر القلق والاضطراب.
وها هنا بين يدي محراب الدعاء والعبادة تُفعم النفس بسحائب الطمأنينة والأنس بمناجاة الرحمن وبث مشاعر الضعف والانكسار، فالعبد يفزع إلى سيده في النوائب والمحن والعبد العاصي لا يجد ملجأ يتقبّله بحاله الرث بسبب المعاصي التي ارتكبها وبعد مسيرة بُعد وغفلة طالت لياليها، ومع ذلك الكم الكبير من العصيان والجحود غير المحصورة ولكن الرحمة الإلهية أرخت عليه الستر من الفضيحة والسقوط من أعين المؤمنين، لقد قابل قبح ذنوبه وطول أمد غفلته بستر الله تعالى عليه فلم يكشف سبحانه خطاياه، وأمهل الباري عبده وأعطاه من الفرص الشيء الكثير لعله يرتدع وينزجر وينتهي عما هو عليه من غيّ وعصيان، وانظر إلى جائزة التراجع عن تماديه في القبائح والآثام أن قبل المولى الجليل توبته وانسلاخه عن الماضي، فأمام صورة التغيير والانطلاقة التصحيحية نحو الاستقامة والمناعة أمام تزيين الشهوات واندفاعة النفس الأمارة بالسوء، تستقبله أحضان المغفرة والعفو الإلهي وقبوله في زمرة العائدين من غيهم.
فالستر الإلهي يبقي بارقة الأمل في عيني العبد العاصي دون أن تنطفئ، وتبعده لمسافة عن أتون التحطّم النفسي والانهيار والوقوع في براثن اليأس من صلاح الحال في يوم من الأيام، فيأتيه الستر الإلهية كعامل يدفعه نحو الخجل من النفس والدخول في باب التوبة والثقة بأن الله تعالى لا يقفل أمامه الأبواب، فالستر يعطي فرصة جديدة مما يرفع من تقدير الإنسان لذاته وإمكانياته في الإصلاح ويسمح له بإعادة البناء الداخلي.
والمؤمن يتخلّق بأخلاق الله تعالى فيتمسّك بخيط الإصلاح وترميم الذات من قبل الغير بدلا عن الفضيحة وإشاعة الفحشاء بين الآخرين.