آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 8:33 م

الدكتور العبد المحسن في ذاكرة المجد والخلود

محمد أبو زيد

ترجّل عن فرسه اليوم فارس من فرسان ميادين الثقافة والتربية والتاريخ والفن، نذر حياته للعلم والمعرفة والتربية ونشر الثقافة والتعريف بتاريخ وطنه ومجتمعه.

لم يكن الفقيد الكبير الأستاذ الدكتور الحاج عبد الله بن الوجيه الحاج حسن بن منصور المختار رحمه الله مجرد كاتب ومؤرخ ومربّي وإداري ناجح ومؤثر في كلِّ المجالات التي عمل فيها ونذر حياته من أجلها.

لقد كان الفقيد يحمل داخله حبًّا حقيقيًّا للمجتمع الذي عاش فيه، والتراث الذي ينتمي إليه، والحضارة التي عشقها، فضلًا عن الشغف العلمي والمعرفي الذي رافقه في كل مراحل حياته العلمية والعملية.

لازمه الطموح ملازمة الظل لشاخصه منذ نعومة أظفاره من لدُن أن كان طالبًا في مقاعد الدراسة وصولًا إلى دراسته الأكاديمية، فقد بزَّ أقرانه في مضمار التفوق والتميّز طالبًا ومعلّمًا في المعاهد العليا والمدارس التي عمل فيها وأبدع في أساليب التعليم والتوجيه العلمي والتربوي، فكانت مادته وحصته من أكثر الحصص ثراءً ومتعة وتشويقًا وإثارة.

كنت طالبًا في المرحلة المتوسطة عندما عُيّن مدرسًا في مدرسة تاروت المتوسطة، فكان يمزج بين التعليم والطرافة في إيصال المعلومة بشكل سلس وأسلوب أخّاذ ومنهجية تربوية مختلفة عمّا اعتدنا عليه آنذاك.

طموحه لم يقف به عند حدود تحقيق مرتبة دون أخرى بدءًا من وصوله إلى موقع التعليم والتربية كمدرّس قدير، متسلحًا بطلب العلم، ومع أوّل فرصة لاحت له للابتعاث خارج المملكة، فقد شق طريقه للمهجر بخطى واثقة حتى عاد يحمل أعلى الشهادات في تخصّصه التربوي الذي أحبّه وامتزج بروحه وعقله وفكره.

عاد لينشر أريج معارفه وعبق مهاراته الفنية والأدبية والفكرية في مجال الرياضة والفن الهادف والتوثيق المنهجي لتراث وثقافة وحضارة موطنه ومسقط رأسه، فكان الأب الروحي للمسرح في نادي الهدى الرياضي، الذي شهد إبان توليه هذه المهمة قفزات نوعية كبيرة جعلت مسرحياته تتجاوز حدود الجزيرة لتُعرض على مسرح جامعة البترول والمعادن ”جامعة الملك فهد“، ومنها إلى المشاركة في مهرجانات مسرحية خارج المنطقة الشرقية وصولًا إلى العاصمة الرياض.

قاد إدارة النادي لعدة دورات كان فيها المدير الناجح والمخطط القدير الطموح، ففي الوقت الذي كان فيه ملتزمًا بوظيفته الرسمية كقائد إداري متميز لعدد من مدارس القطيف التي شهدت له بالتفوّق والتميّز في إدارته حتى باتت المدارس التي يتولى إدارتها تحتل القمم وتحقق أفضل النتائج على مستوى مدارس المنطقة بشكل عام.

ودون إخلال بمسؤولياته الأسرية، أو تقصير في رعاية أسرته وبيته وأولاده الذين عُرفوا بتميّزهم الدراسي وتفوّقهم العلمي في كل مراحلهم الدراسية، وصولًا إلى تحقيقهم مستويات متقدمة في مجالات تخصّصاتهم في مجالات تربوية وهندسية وطبية يُشار إليهم بالبنان في كل المحافل والمنتديات داخل وخارج الوطن.

وإذا كانت الشجرة تُعرف بثمرتها، فإن الثمار اليانعة التي مدّ بها مجتمعه ووطنه ستظل شاهدة على عبقريته وإخلاصه وتفانيه وحضوره الاجتماعي والثقافي، وتأثيره الكبير على مسيرة المجتمع وتقدّمه ونهضته العلمية والثقافية.

تغمّد الله الفقيد الكبير والمربّي القدير أستاذنا الدكتور عبد الله بواسع رحمته ورضوانه، وأسكنه الفسيح من جنانه، وأجزل له الأجر والثواب، وربط على قلوب فاقديه ومحبّيه وعارفيه، وألهمهم الصبر والعزاء والتسليم.

إنا لله وإنا إليه راجعون.