آخر تحديث: 18 / 10 / 2025م - 8:33 م

الرقود في جدث الموت الفكري..

طاهر علي آل طرموخ

نعيش حاضرنا بأنفاس ماضينا، ونسلك طريقنا بدءًا من تلك النقطة التي ورثناها من الذين سبقونا، ونعمل بنفس مجهود وكدّ آبائنا الذين أنهكهم شقاء الزمن وأراق على جباههم عرق الإرهاق.

الحياة التي وجدنا فيها لا تبدأ من يوم الميلاد، ولا تنتهي ساعة الوفاة، الحياة ليست كائنًا له أيام معدودة، ولا هي لحظات تنقضي وتنتهي كما يعبرون عنها في العرف اللغوي، الحياة إن أردنا تعريفها فعلينا أولًا أن نعي فكرتها والماهية المبطّنة لكينونتها وللإنسان الذي يعيش فيها.

المفاهيم الوضعية التي نتلقاها منذ طفولتنا في هذه الحياة، ما هي إلا جمادات متصلبة تأبى الحراك بفعل عصبية إنسان توقف عقله عن التفكير ورضخ بكامل إرادته إلى الرقود في جدث الموت الفكري الذي حفرته تلك العصبية العمياء ومنعت النور من أن يشع في جوفه.

نحن نعيش كنسخة موحدة لا تجدد فيها، حاضرها كماضيها لا فرق في واقعنا ولا حتى في خيالنا، كل ما هنالك أن أنماطنا الشكلية اختلفت وبقي مضموننا منهك بنفس شقاء ذاك الزمن المذكور وبنفس تعاسة الماضين.

اعتمادنا على النصوص المتوارثة واللغة الدارجة والاكتفاء بهما والتسليم المطلق بما جيء به فيهما وكأنهما وحي مقدس، جعلنا نعيش حالة الانطواء الفكري القاتل، الذي صنع منا إنسانًا فاقدًا لأصالته الفكرية والعقلية، بل وجعلنا تبعية متخبطة بتناقضات لا جذر لها في علم منزّل ولا في منطق مشرّع.

لذلك إن أردنا حياة متجددة لها طعم سائغ يختلف تمامًا عن طعم الحياة الموروثة، علينا أولًا أن نحيي رميم أفكارنا وأن نرمم عمق عقولنا وذلك بالإقبال على المختلف والمستغرب والجاذب والمنسي الذي طمسته عصبية الإنسان الجهول.

كذلك علينا قراءة كل ما ورد وصدر بأبجدية متكاملة في المعنى والصيغة، بحيث لا يكون هناك انحياز أو ميل على حساب الواقع المغيّب أو المفروض المرفوض الذي يفرّ منه ذوو الأهواء والمصلحة وفاقدو البصر والبصيرة.

وأخيرًا أقول: إنَّ الفكر حياة تنتعش بنا إن كنا لها الضماد والروح، أما إن كنا بجهلنا وعصبيتنا علّة موت ذلك الفكر فلا حياة لمن تغنّى وإن صدح صوته في الأرجاء.