الدكتور باقر العوامي: عبقرية الطب بروح الإنسان… نموذج الوفاء والتواضع
الدكتور باقر العوامي رحمه الله، رجل من الطراز الأول، جمع في حياته بين العلم والإنسانية، وبصمة لا تمحى في المجال الطبي والاجتماعي. تربطني به علاقة تمتد لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، وهي علاقة خاصة ليست مجرد صداقة، بل رابطة نسب وثيقة، إذ إنه خال زوج ابنتي، الدكتور باسل أحمد ال جواد، مما جعل علاقتنا شخصية وعميقة، قائمة على الاحترام والوفاء.
على الرغم من ما يتمتع به الدكتور باقر من مكانة علمية رفيعة، فهو بروفيسور في جامعة الملك فيصل التي تحولت اليوم إلى جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، إلا أن تواضعه وبساطته في تعامله مع الجميع كانت واضحة ومميزة. لا يُظهر ما يحمله من فكر وعقلية إلا لمن يتحدث إليه بعمق، فهو رجل لا يعرض فكره بسهولة، لكنه يقدم منهجية مختلفة في كل نقاش، سواء في مجال الطب أو في الحياة.
من أجمل ملامح حياته الاجتماعية، وفاؤه العميق لوالديه رحمهما الله، حيث لم يكن بارًّا بهما فحسب، بل كان حريصًا على تمكينهما من العلم والنور. فقد قام بنفسه بتعليم والدته القرآن الكريم حتى أتقنته، ثم أصبحت معلمة تُدرّس كتاب الله، وكان يفتخر بذلك كثيرًا. كما أن والده، رحمه الله، كان يرغب في أن يسلك ابنه طريق التجارة، إلا أن الدكتور باقر كان يرى في الطب رسالته التي وُلد من أجلها، فاختار هذا الطريق بإصرار، ونجح فيه باجتهاد جعل من اسمه علامة مضيئة في مجاله، فكان من روّاد طب الأطفال على مستوى الوطن.
لقد كان الطفل، في نظر الدكتور باقر، هو محور اهتمامه وشغله الشاغل. فكرّس حياته لتخصص طب الأطفال، مع إيمان راسخ بأن الطفل السليم هو حجر الأساس لمستقبل قوي وسليم. وقدم في هذا المجال أبحاثًا مهمة حول صحة الطفل، والتغذية، والمناعة، والوقاية، واضعًا نصب عينيه أن النشء هو المستقبل.
ومن أبرز إنجازاته التي كان يُوليها اهتمامًا خاصًا، جهوده في مجال الفحص الطبي قبل الزواج، والذي كان يؤمن بأنه أداة وقاية فعالة للحد من انتشار الأمراض الوراثية والمزمنة. وقد ساهم من خلال أبحاثه وتوصياته ومشاركاته العلمية في دعم هذا التوجه الوطني، ليصبح الفحص إجراءً معتمدًا يسهم في بناء أسر أكثر وعيًا وسلامة صحية.
لم تقتصر إسهاماته على البحث والتعليم، بل كان يحمل في قلبه حبًا عميقًا لكل من تعامل معه. تواضعه الجم وروحه الطيبة جعلاه محبوبًا من الجميع. لم يسعَ للشهرة، بل ترك أثرًا في القلوب قبل المراكز العلمية. كان عطوفًا، متفهمًا، وقريبًا من الناس على اختلاف مستوياتهم.
في الجامعة والمستشفى، ظل قدوة في الالتزام والانضباط، وساهم في جهود التثقيف الصحي المجتمعي، خاصة فيما يخص صحة الأطفال وأهمية الفحص المبكر، إلى جانب تقديمه الاستشارات والندوات التي ركزت على التوعية الوقائية للأسرة والمجتمع.
وقد عُرف الدكتور باقر بمواقفه الإنسانية، فقد كان أول من يمد يده في وقت الحاجة، يخفف عن الآخرين، ويمنحهم من وقته دون منّ أو تردد. كان الطبيب الذي يمزج بين المعرفة العلمية والمشاعر الصادقة، فصار مصدر أمان لكل من عرفه أو لجأ إليه.
رحيله ترك فراغًا كبيرًا، لكنه خلّد اسمه بأخلاقه، وعلّمه، وإنسانيته، وأثره الطيب. سيظل في ذاكرة كل من عرفه، وكل طفل عالجه، وكل طالب تتلمذ على يديه، وكل من لامس حنانه وروحه النبيلة.
في النهاية، يظل الدكتور باقر العوامي شاهدًا على أن الطبيب الحق هو من يحمل قلبًا ينبض بالرحمة، وعقلًا يشع علمًا، وسلوكًا يتسم بالتواضع.
رحمه الله، وجعل مثواه الجنة، وأجزل له العطاء على ما قدّم لأمته ومجتمعه.