الدكتور عبدالله بن حسن آل عبدالمحسن: أيقونة مسرح الطفل في الخليج
في يوم حزين، أسدل الموت ستاره على حياة الدكتور عبدالله بن حسن آل عبدالمحسن، رائد مسرح الطفل في المملكة والخليج، وقامة فنية وتربوية استثنائية. لم يكن مجرد كاتب مسرحي، بل كان صانع أحلام الأجيال الصغيرة، ومهندسًا لغرس القيم في نفوسهم عبر لغة الفن والجمال.
الدكتور عبدالله بن حسن بن منصور آل عبدالمحسن واحدًا من أعمدة المسرح السعودي والخليجي، بل هو الرائد الأول لمسرح الطفل في منطقة الخليج العربي. انطلق من بدايات متواضعة، حين كان المسرح يُقام على براميل خشبية مغطاة بالسجاد، ليتحول لاحقًا إلى مؤسس حركة مسرحية متكاملة، استطاعت أن ترفع من مستوى الوعي الفني والتربوي، وأن تُخلّد اسمه في ذاكرة الثقافة العربية.
يُعدّ الدكتور عبدالله بن حسن آل عبدالمحسن «1953-2025 م» من أبرز الأسماء المؤسسة لمسرح الطفل في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج. وقد مثّل حضوره الفني والتربوي نقطة تحوّل في صياغة فن مسرحي هادف، يجمع بين البعد الجمالي والقيمة التربوية.
في لحظة موجعة للثقافة السعودية والخليجية، غيّب الموت الكاتب والباحث المسرحي الدكتور عبدالله بن حسن آل عبدالمحسن، الذي كرّس حياته للمسرح، وجعل من أدب الطفل رسالةً إنسانيةً وتربوية. لم يكن مجرد مؤلف مسرحي، بل كان رائدًا في تحويل الموروث الشعبي إلى أعمال مسرحية تربوية، تُغرس في وجدان الأجيال قيماً أخلاقية وتفتح أمامهم أبواب الخيال والمعرفة. برحيله، فقدت الساحة الثقافية قامةً استثنائية، عُرفت بصفاء الرؤية وصدق العطاء.
• الميلاد: وُلد عام 1373 هـ / 1953 م في جزيرة تاروت بمحافظة القطيف، في بيئة بحرية وزراعية غنية بالفلكلور الشعبي، كان لها أثر بالغ في تشكيل مخزونه الفني.
• التعليم: درس الابتدائية والثانوية في مدارس تاروت والقطيف، ثم التحق بجامعة الملك سعود بالرياض، حيث نال:
• بكالوريوس في التربية وعلم النفس.
• ماجستير في المناهج وطرق التدريس.
• دكتوراه في الإدارة التربوية.
• المسيرة العملية:
بدأ مدرسًا في معهد المعلمين بالجوف، ثم انتقل إلى التدريس في المنطقة الشرقية، ليترقى حتى إدارة مدرسة ثانوية بالقطيف. وبعد تقاعده، لم يتوقف عطاؤه، بل واصل نشاطه في المجتمع، حيث تولى رئاسة نادي الهدى الرياضي بتاروت لمدة تسع سنوات، فأدخل إلى النادي أبعادًا ثقافية واجتماعية موازية للنشاط الرياضي.
يُحسب للدكتور آل عبدالمحسن أنه كان أول من كتب مسرحية موجهة للأطفال في الخليج العربي، وذلك بمسرحيته حكايات جدتي عام 1390 هـ. ومنذ تلك اللحظة، فتح الباب واسعًا لمسرح الطفولة، في وقت لم يكن هذا الفن معروفًا في المنطقة.
البدايات: المسرح المدرسي والفلكلور الشعبي
بدأت قصة آل عبدالمحسن من المسرح المدرسي في المرحلة الابتدائية، حيث شارك في الفرق المسرحية والكشفية. كان لمدرسي اللغة العربية دور محوري في تدريبه، فأسسوا لديه معرفة مبكرة بأساسيات التمثيل والكتابة المسرحية. في هذه الفترة، غذّت قصص جدته وكتب والده - وخاصة مؤلفات رفاعة الطهطاوي وأحمد شوقي - خياله القصصي، وألهمته أسلوبًا يجمع بين الغنائية والبساطة المشوقة.
في الصف السادس الابتدائي، صقل موهبته بفضل معلمه الفلسطيني الأستاذ عبدالله زين الدين، الذي وجّهه إلى كتابة النصوص المسرحية البسيطة للأطفال، فبدأ يعرض عليه قصصه لتلقى التصحيح والنقد البنّاء. ومن هنا تكوّنت لديه ملكة الكتابة المسرحية المبكرة.
الانطلاقة: من المدارس إلى الأندية:
بعد المرحلة المدرسية، توسعت دائرة نشاطه ليكتب مسرحيات للأندية الرياضية والثقافية في جزيرة تاروت، مثل نادي الوحدة ونادي المنار ونادي الهدى. وكانت مسرحيته ”حكاية جدتي“ عام 1390 هـ بمثابة الانطلاقة الكبرى، إذ حصدت شهرة واسعة ومكّنته من خوض مسابقات المسرح المدرسي والرئاسة العامة لرعاية الشباب.
أبرز أعماله للأطفال:
• حكايات جدتي «1390 هـ».
• حرام حرام «1390 هـ».
• ملك الغابة «1391 هـ».
• عاقبة الطمع «1391 هـ».
• الفار في الشنوكة «1392 هـ».
• الكريكشون «1395 هـ».
وتجاوز إنتاجه 30 مسرحية للأطفال، اتسمت بدمج الحكايات الشعبية مع رسائل تربوية عميقة، مما جعلها قريبة من وجدان الطفل، ووسيلة لترسيخ القيم بأسلوب ممتع. لم تكن أعماله مجرد تسلية، بل مدرسة تربوية قائمة على الخيال الفني.
وبشهادة النقاد، فقد أصبح المسرح السعودي للأطفال قادرًا على منافسة الأعمال العربية، بل والتفوق عليها في بعض المحافل. وقد حصد مؤلفو ومخرجو المملكة جوائز وتكريمات عربية، ما يؤكد قوة التجربة السعودية وعمقها.
أعماله للكبار:
كتب ما يقارب 40 مسرحية للكبار، عالج فيها موضوعات اجتماعية وثقافية وسياسية، ملتزمًا بوعي نقدي يوازن بين الفن والرسالة.
لم يكن المسرح وجهه الوحيد، بل كان باحثًا تربويًا وأديبًا متخصصًا في أدب الأطفال والتراث الشعبي. من أهم مؤلفاته:
• الألعاب الشعبية بالقطيف «1406 هـ»: دراسة تراثية حفظت جانبًا مهمًا من الثقافة الشعبية المهددة بالاندثار.
• الطب الشعبي في الساحل الشرقي «1422 هـ»: توثيق للمعارف الشعبية الطبية.
• أساسيات أدب الأطفال «1429 هـ»: مرجع تربوي يعالج أسس الكتابة للطفل.
كما نشر أبحاثًا علمية رائدة، منها:
• أثر التلفزيون على الأطفال.
• معوقات مسرح الطفل في الخليج.
إلى جانب ذلك، قدّم أوراق عمل ومحاضرات في مؤتمرات محلية ودولية، بالعربية والإنجليزية، مما عكس سعة أفقه وقدرته على ربط الثقافة المحلية بالفضاء العالمي.
كان حاضرًا بقوة في المحافل الثقافية والمسرحية، محليًا وخليجيًا وعربيًا:
• احتفت به منتديات ثقافية سعودية، مثل منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف «2014 م»، الذي وصفه بـ «رائد مسرح الطفل في الخليج».
• شارك في مهرجانات مسرحية في قطر والبحرين ومصر وغيرها.
• كرّمه مهرجان الغردقة الدولي للمسرح في مصر بلقب ”رائد مسرح الطفل في المملكة والخليج“.
• حاز جائزة الدولة لأدب الطفل «2008 م».
• مُنح درعًا تكريميًا من وزير الثقافة والإعلام السعودي الأسبق إياد مدني.
• كرّمته وزارة الثقافة القطرية ووزارة الثقافة البحرينية.
• نال أوسمة وشهادات تقدير من جهات حكومية وثقافية في الخليج «الكويت، عُمان، الإمارات».
أجمع النقاد والمثقفون على أن الدكتور آل عبدالمحسن:
• أيقونة مسرحية أوجدت فضاءً جديدًا للأطفال.
• رائد تربوي جعل الفن وسيلةً لغرس القيم.
• مجدّد استطاع أن ينقل الفلكلور الشعبي إلى خشبة المسرح بلغة معاصرة.
• مؤسس حراك مسرحي في السعودية والخليج ظلّ أثره ممتدًا عبر الأجيال.
لقد ارتبط اسمه دائمًا بمصطلح ”مسرح الطفل“، حتى صار مرادفًا له، إذ لم يكتف بالكتابة، بل أسهم بالتنظير والبحث والتأصيل.
إرث الدكتور آل عبدالمحسن لا يُختزل في نصوصه المسرحية، بل يتمثل في:
1. تأسيس مدرسة فكرية في المسرح التربوي.
2. إحياء التراث الشعبي الخليجي في نصوص حديثة.
3. إرساء وعي جديد بأهمية الطفل في العملية الثقافية.
4. غرس قيم تربوية عبر الفن.
وقد أصبحت مسرحياته مراجع للأجيال الجديدة من المسرحيين، ونصوصًا تُدرس في الندوات والملتقيات بوصفها نماذج ناجحة للتكامل بين الفن والتربية.
رحل الدكتور عبدالله بن حسن آل عبدالمحسن جسدًا، لكن إرثه سيظل حيًّا في وجدان كل طفل ضحك وتعلم من مسرحياته، وفي ذاكرة كل مثقف شهد إبداعه. لقد أثبت أن المسرح ليس ترفًا، بل وسيلة تربية وتنمية ووعي. سيبقى اسمه علامة مضيئة في سجل الثقافة السعودية والخليجية، ورائدًا لمسرح الطفل العربي، وقامةً لا يمكن أن يغيب أثرها مهما غيّبها الموت.
إن تجربة الدكتور عبدالله بن حسن آل عبدالمحسن تُعد نموذجًا يُحتذى في تحويل الفلكلور الشعبي إلى فن تربوي راقٍ. فقد بدأ من خشبة بسيطة أقيمت على براميل، ليصنع تاريخًا مسرحيًا رائدًا، أثبت أن الإبداع يولد من الإصرار، وأن الفن يمكن أن يكون مدرسة للأخلاق والخيال معًا.
لقد كان رائدًا في تأسيس مسرح الطفل في الخليج، وصوتًا مخلصًا حمل رسالة الفن الهادف، وسيبقى إرثه شاهدًا على جيلٍ آمن بأن المسرح وسيلة لبناء الإنسان قبل أن يكون عرضًا للفرجة.