نهارٌ مختلف
لم أتناول موضوعًا شائكًا مثل موضوع القوّة، يبدو لي من خلال تجربتي الحياتيّة أنّ هناك شخصيات قويّة استغلّت قوتها في توظيف الشّر سواء في العلاقات الاجتماعية أو على مستوى العمل الوظيفيّ، أمّا عن طريق زرع بذور الفتنة بين الأقران، أو بالنفاق الاجتماعي المذموم.
وهناك شخصيات قويّة نستطيع أن نسميها شخصيّات رحمانيّة خلعت على نفسها شيئًا من رحمة الله تعالى لعباده، فكسبت احترام الناس ورضا الله تعالى بلغتها الحواريّة الهادئة، وتقريبها وجهات النظر المختلفة.
ولعل أنبل ما تُقدّم الشخصيّة القويّة لمجتمعها أن تكون هي المحرك الأساسيّ لأوجه الخير المتعددة، لأنّها حجر الزّاوية في ضمير المجتمعات.
ولقد قدّم لنا التاريخ الكثير من الشخصيات القويّة التي مازالت بذورها هاجعة في عقول الناس، فما أن يُذكر اسمها حتى تُشرق زهور السلام بين أصابع يديها، ويُفتح ألف باب من أبواب الخير بسببها، جسّدوا الخُلق الكريم، وكانوا خلاصة النقاء والصفاء الإنسانيّ والتسامح وقول الحقّ.
يقول المناضل غاندي: «ليست القوّة هي الحق، بل الحق هو القوّة».
وعلى النقيض منها هناك الشخصيات ذات النزعات الشريرة التي يرهقنا التفكير فيها، ويتعبنا مجرد الحديث عنها؛ لبعدها عن الجانب الإنسانيّ آلافًا من الكيلومترات.
فلا شك في أنّ هناك من خُلّد في رحم التاريخ لنزعته الشريرة، وخُلد آخر لنزعته الرحمانيّة ذات الأبعاد المتعددة في عمل الخير، والضمير الذي لا يغلبه السبات.
يقول الروائي الأمريكي إرسكين كالدويل: «لا قوّة إلّا قوّة الضّمير».
ويأتيني الصوت قويًّا من أعماقي فيدفعني للتحليل والاستنتاج أنّ الشخصيّة القويّة تتميز بقدرتها المنفردة عن الآخرين، فهي تملك أفكارًا خاصة بها وكلمات نابعة من معجمها، بل إنّها تمتلك ذنوبًا خاصة بها أيضًا!
فانظر إلى أيّ نزعة توظّف بها شخصيتك القويّة؟!
وقد قرع جرس أفكاري شخصيات متعددة بالغت في التعبير عن قوتها بالشرّ المطلق، أمثال الحجاج بن يوسف الثقفيّ، الذي جمع بين البطش والقيادة المُحنّكة، ونابليون بونابرت وغيرهم.
ويظلّ المؤمن القويّ أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف.
قال رسول الله ﷺ: «المؤمن القويّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز…» رواه مسلم.
ولا يكون المؤمن قويًّا إلّا بحبّه للخير، وضراوته في الدفاع عن الضعفاء، والانتصار على نفسه أولًا.
ولقد برز في مجتمعنا فئات مختلفة من الشّخصيّات القويّة التي تُدير دفّة الإعلام نحوها بتطلعاتها المستقبليّة الناجحة وعملها المهنيّ الرائد، فتميزت بالجرأة في الطرح العلمي والثقافي، وبعضها تميّز بالإعلام والدّعاية، فلا مكان لغيره ما دُمتَ تبصره!
لذلك لابد أن نستيقظ على نهار مختلف، نرى الطفل فيه مُتحدّثًا قويًّا، والمرأة تُحلّق بألف جناحٍ، تمتلك القدرة لتربية جيل ينطق الأبجديّة في مهده، ويصارع الموج في المحيط بشجاعة.
لا وجود لوجوه يُخيّم الذعر على قسماتها وهي تتحدّث مع النّاس، أو أيدٍ ترتجف عندما تمسك القلم لتُجيب عن أسئلة الاختبارات.
لذلك كانت تجربة التربية والتعليم من أصعب التجارب لبناء شخصية ترفض الخنوع دون تفكير، وتواجه صعوبة البناء العلميّ والعقلي والعاطفي.
إنّ تربية الطفل في وقتنا الراهن تختلف عن تربيتنا، فلابد أن يعتاد الطفل الدراسة والتعليم اليومي الممزوج بالحب والاهتمام، وينتظر إجازة نهاية الأسبوع بشوق وفرح، عندها سوف يواصل دراسته ويقطع مرحلة دراسية تلو أخرى، ولكن بتنظيم الوقت ووضع خطة عمل متكاملة من قبل الوالدين.
يطلب الطفل فقط رعاية واهتمامًا وحِضنًا دافئًا، ثم انظر لإنجازاته.
وما الظلم الواقع على الطفل في وقتنا الحاضر إلّا من تلك الأجهزة الذكية التي حلّت محلّ رمال شاطئ البحر، وحديقة الحيّ المكتظة بالأطفال!